«أبوظبي للكتاب» وابن خلدون
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]كما في كل عام، من الاحتفاء بشخصية كبرى، وبثقافةٍ كبيرة، كان الاحتفاء في معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام بالثقافة التركية، أما الشخصية فكانت ابن خلدون (732-808ه)، وقد احتفى به مركز أبوظبي للغة العربية وجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. وبالإضافة إلى استقدام متخصصين لإلقاء محاضرات عنه، جرى استقدام الأستاذ إبراهيم شبوح المحقق التونسي المعروف الذي أصدر أفضل نشرات ابن خلدون (المقدمة والتاريخ) في أربعة عشر مجلداً. وقد تحدث شبوح مرتين عن ابن خلدون، مرة في المعرض بندوةٍ لمركز أبوظبي للغة العربية، ومرة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية. وبحسب شبوح وسيرة ابن خلدون، فإنّ الرجل كتب «المقدمة» في الغرب الإسلامي (قلعة بني سلامة وتونس) وما أدخل عليها غير تعديلات طفيفة بعد هجرته إلى القاهرة، أما «التاريخ» فبقيت منه نسختان: النسخة المنجزة للسلطان الحفصي بتونس، والأخرى التي كتب عليها إهداءً للسلطان الظاهر برقوق بمصر دون أن يتمكن من تسليمه إياها. عمل ابن خلدون الكبير في المقدمة ذو ثلاث طبقات إذا صحَّ التعبير، الأولى: معنى التاريخ وكيف تمكن كتابته والتزام الحقيقة والتحقيق فيه.. والثانية: المجتمع الإنساني وأحوال المعاش فيه، وفي هذا القسم يبني ابن خلدون نظريته حول الدولة. أما الطبقة الثالثة فهي التاريخ الثقافي للحضارة الإسلامية بعمرانها ومكتباتها وعلومها ومذاهبها الفقهية، وأفكار تياراتها في الفلسفة والحكمة، وصورتها عن العالم، ورؤاها في الآداب والعلوم البحتة والتطبيقية. ابن خلدون في مطلع المقدمة يَعتبر أنه أنجز عملاً عظيماً هو عبارة عن علم الاجتماع الإنساني. ويَذكر أنّ آخرين كثيرين، من أرسطو إلى المسلمين مثل الطرطوشي والفارابي وابن سينا، سجّلوا نقاطاً في هذا العلم، لكنه شخصياً انفردَ بتحويل تلك الإشارات واللمحات إلى علمٍ متكامل. والذي لفت الجميعَ إلى بن خلدون منذ القديم رؤيتُه لقيام الدول، فمن مراقبته للاجتماع السياسي العربي والبربري في ظل الإسلام، بلور تصوراً لقيام الدول ذا شعبتين: علاقة البداوة بالحضارة، وعلاقة الدين بالدولة.. فقيام الدول يحتاج إلى بروز عصبية قبلية تلتف حول زعيم ملهم، وإلى تَبنِّي دعوة دينية تتحزب لها، وتمضي بعصبيتها المزودجة من البادية إلى الحاضرة فتستولي على الأخيرة وتؤسس لكيان سياسي يتوسع ويستمر لثلاثة أجيال أو أربعة (والجيل أربعون سنة). وعندما جاء ابن خلدون إلى مصر شهد وقرأ عن حالات وأحوال أُخرى لنشوء الدول، ولذا زاد في عنوان كتابه فصار «كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أحوال العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر». وفي القرن العشرين تركز الاهتمام على ابن خلدون في مسألتين: رؤيته للاجتماع الإنساني، ورؤيته لقيام الدول. أرنولد توينبي وأريك هوبسباوم اعتبرا أنه أكبر المؤرخين. أما الآخرون فقارنوه بأوغست كونت ودوركهايم في علم الاجتماع. بيد أنّ همّ العرب الأول ظلَّ نظريته في قيام الدول وقضية العصبية بنوعيها. وهل يمكن الإفادة منه في فهم التطورات السياسية في عصرنا؟ والواقع أنه حتى في عصر ابن خلدون ما كانت العصبية بشقيها سبباً في قيام الدول على الدوام. وقد تنبه ابن خلدون لذلك عندما هاجر إلى مصر. أما في القرن العشرين فالذي أراه أنّ دولة ما قبل الاستعمار، مختلفة تماماً عن دولة ما بعد الاستعمار. ومع ذلك يبقى ابن خلدون مفيداً في فهم قيام دولنا القديمة، والاجتماع الإسلامي والإنساني عموماً. *أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
 

إقرأ المزيد