روسيا..بين عهديْن
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 روسيا الاتحادية الآن، وروسيا في زمن الاتحاد السوفييتي، فرق بين العهدين، ولست هنا في موقع المقارنة، لكني أحد الشهود على المرحلتين. أتحدث اليوم عن روسيا بعين سائح حطت قدماه موسكو للمرة الأولى، فعلى قول «ليس من رأى كمن سمع أو قرأ»، أسطر هذه الخواطر والانطباعات الواقعية.
أستطيع القول بأنني في بداية العمر كنت من قراء الأدب الروسي مثل دوستوفيسكي الذي يقول في بعض كتاباته: حتى وإنْ تجاوزت كل ما يؤلمني.. لم أعد كما كنت. وفي مكان آخر يقول: لا يبقى في الذاكرة سوى ما نريد نسيانه. وهذه مجموعة من حكمه: لاَ شَيْءَ يَنْفعُ في إِصْلاَحِ المَرءِ كَمَا تَنْفعُه ذِكْرَى مَاضِيهِ نَادِماً.

ويقول أيضاً: الشتاء بارد على من لا يملكون الذكريات الدافئة، لكنني أظنهُ أبرد على من يمتلكونها، دون أصحابها. إن أفضل لحظات التعارف برأيى.. اللحظة التي تسبق الفراق. لا شيء أسوأ من مسن وضع أحلامه على عاتق ابنه فاستيقظ في دار العجزة. 
والأديب الآخر هو «أنطون تشيكوف» يقول في بعض أعماله: يشعر الأشخاص الذين جمعتهم المأساة المشتركة بنوع من الارتياح عندما يجتمعون معاً. وفي عمق الفكر يحدثك قائلاً: قد لا أملك انتصاراتٍ مدهشة، لكنّني أستطيع إدهاشك بهزائمَ خرجت منها حياً! 
ومع رفقة «تولستوي» تجد مذاقاً آخر لروائع الأدب العالمي، له التسامح مقولة في التسامح قلت نظائرها يقول: عندما يخونونك كأنهم قطعوا ذراعيك، تستطيع مسامحتهم ولكنك لا تستطيع عناقهم! 
أكتفى بهذا، لأبين لك عمق حضارة يفوق عمرها ألفي عام، ويفوح عبقها منذ القيصرية وحتى لحظتها الحاضرة. 
عرفنا بأن موسكو القديمة كلها كانت بحجم الكرملين قرابة ثلاثة أميال، وموسكو اليوم تقدر مساحتها أكثر من ألفي كيلو متر مربع. 
موسكو العاصمة تبرق نظافة، وقد صادفنا يوماً غزير الأمطار، كانت السيارات الخاصة تشفط المياه مباشرة، رغم وجود نظام الصرف الذي لا يبقي أي بركة ما في طريق السالكين. 
طوال الطريق، والمرشد المرافق يحدثنا عن «بابا بوتين» وليس الرئيس بوتين، وهو أمر يقول عنه: لقد جعل بوتين روسيا دولة مختلفة عن كل أوروبا وأميركا في كل تفاصيلها، ويوصينا بأن نستمتع طوال اليوم، نهاره متواصل بليله في أمان واطمئنان وبلا خوف.
وقبل اتخاذ قرار السفر سألنا من سبقونا إلى موسكو عن التعاملات المالية مع مختلف المحلات التي نتجول فيها، فكانت التوصية بعدم استخدام أي عملة غير الروبل، وكذلك كل البطاقات الائتمانية لا تعمل ما عدا البطاقات الخاصة بها.ومسألة إنسانية أخرى تتعلق بالإكراميات المعروفة، حيث أوصى المرشد بأنه لا ينبغي أن نبادر بها، كجزء من عزة النفس لدى الشعب الروسي. أما ظاهرة التسول فلم نر لها أثراً.. هناك من يجلس على قارعة الطريق، يغني، أو ماهر في العزف، أو فنان يرسم لك صورة شخصية.. وقس على ذلك، فلم نلاحظ أحداً يمد يد التسول التي لمحناها في بعض بلدان العالم الثالث؟! 
لقد تغلبت روسيا خلال فترة الحرب الباردة على كثير من التحديات، منها بناء نظام مالي وتكنولوجي خاص بها مختلف عن أوروبا وبالأخص، إجراء التعاملات المالية بالعملة المحلية والاتفاق مع الدول الحليفة والصديقة لها على المعاملة بالمثل حتى لا تكون مصالحها مرهونة بعملات أخرى. 
روسيا أكثر من قارة مساحتها أكبر من 17 مليون كيلومتر مربع، عدد سكانها يقارب 140 مليون نسمة، وهَمُّ بوتين الرئيس هو عدد سكان أكثر من أجل الحفاظ على الأسرة الممتدة عن طريق تشجيع النسل الذي يحافظ في المستقبل على أمن روسيا لقد كان هذا هو المطلب خلاصة خطابه الرئاسي. 


*كاتب إماراتي



إقرأ المزيد