جريدة الإتحاد - 8/22/2025 12:02:56 AM - GMT (+4 )

يشهد العالم سباقاً محموماً لبناء مرافق قادرة على إدارة الكميات الهائلة من البيانات اللازمة لتشغيل أجيال جديدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع استثمارات تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات من قبل روّاد أعمال يسعون إلى تحقيق ثروات طائلة. لن تُحقق جميع الاستثمارات أرباحاً. بعضها سينجح، وكثير منها سيفشل. لكن في النهاية، لا مفر من تغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي، وإنْ كان من شأن هذه التغييرات أن تُحقق فائدة صافية للبشرية، وهو سؤال مطروح ومُثار جدل كبير. قد تُلقي دروس التاريخ الضوء على النتائج المحتملة لهذا الاستثمار الاستثنائي.
خلال القرن التاسع عشر، أحدث تطور النقل بالسكك الحديدية ثورة في اقتصادات العالم. وقد فاقت فوائد السكك الحديدية أي شكوك بشأن إمكانات هذه التكنولوجيا الجديدة. ومع ذلك، كانت هناك انتكاسات عديدة وكوارث مالية قبل أن تصبح شبكات السكك الحديدية العابرة للقارات مشروعاً مربحاً. ففي السنوات الأولى، أدى التوسع السريع في خطوط السكك الحديدية إلى حوادث وإفلاسات كثيرة. كان أحد الأسباب هو فشل التكنولوجيا الحديدية والمضاربات حول الجدوى المالية لخطوط معينة. ففي البداية كانت القضبان مصنوعة من الحديد الهش الذي يتشقق ويتفتت مع الاستخدام الكثيف.
وكان لا بد من استبدالها باستمرار، مما تسبب في ارتفاع تكاليف الصيانة. مع انخفاض تكلفة إنتاج الفولاذ، أصبحت القضبان الفولاذية أقوى وأكثر قدرة على تحمل حركة أثقل. فزادت القدرة الاستيعابية لقطارات الركاب والبضائع، ما رفع ربحية الخطوط. أما الأفراد الذين جمعوا ثروات من شبكات السكك الحديدية الأميركية الضخمة – مثل عائلتي فاندربيلت وهاريمان – فقد نجحوا لأنهم ركزوا على الكفاءة واقتصاديات الحجم وتجنبوا التكرار. وكان نقل البضائع عادةً أكثر ربحية من نقل الركاب. ومن المستفيدين الآخرين من طفرة السكك الحديدية «أندرو كارنيجي»، الذي ركز على إنتاج الفولاذ ووفر البنية التحتية الأساسية لشبكة السكك الحديدية المتوسعة. وقد ارتبطت العديد من الأزمات المالية الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر بالتكهنات الجامحة حول طفرة السكك الحديدية. لكن مع نهاية القرن كانت الولايات المتحدة قد خرجت بأفضل وأربح نظام للسكك الحديدية في العالم. بعد قرن من الزمان، في تسعينيات القرن الماضي، ضخ المستثمرون مليارات الدولارات في شركات الإنترنت الجديدة (الـ «دوت كوم») التي سارعت إلى دخول البورصة رغم غياب خطط واضحة لكيفية تحقيق الأرباح. شهدت هذه الاستثمارات طفرةً بين منتصف التسعينيات وعام 2000، تلتها أزمةٌ كبرى عندما اتضح أن معظم شركات الإنترنت الجديدة لا تملك طريقاً للربحية. وبحلول نهاية عام 2002 كان مؤشر ناسداك – بورصة التكنولوجيا العالية – قد فقد 80% من قيمته. ومع ذلك، نجا بعض الرابحين مثل أمازون وجوجل وإي-باي، في حين تلاشت شركات أخرى مثل ياهو وAOL.
ومع أن العديد من الشركات انهارت، فإن الاستثمار في الاتصال بالإنترنت – خاصة مد آلاف الأميال من كابلات الألياف الضوئية التي تربط القارات بكابلات بحرية – ظل عنصراً حيوياً في العصر الرقمي الحالي، والوسيلة الرئيسية لتوزيع المعلومات القادمة من مراكز البيانات حول العالم. سيُحدد الفائزون في سباق الذكاء الاصطناعي بناءً على الاختراقات التكنولوجية والقدرة على تحقيق الأرباح من هذه الأنظمة. وسيكون الطلب المتزايد على الكهرباء لتوفير الطاقة لمراكز البيانات أحد المعوقات الرئيسية.
وستحظى الدول والشركات التي تتفوق في تطوير مصادر كهرباء رخيصة ووفيرة بأفضلية كبيرة. فقد استثمرت الصين بكثافة في جميع تقنيات توليد الكهرباء ولديها تفوق واضح في الطاقة الشمسية. في المقابل، ركزت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترامب أموالها على الوقود الأحفوري والطاقة النووية، وقلصت الدعم الموجه للطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويرى كثير من الخبراء أن هذا ليس خياراً حكيماً. وكما حدد الفولاذ الفائزين في عصر السكك الحديدية، وكما شكّلت القدرة على الاتصال ملامح العصر الرقمي، فإن توافر الكهرباء الرخيصة قد يكون العامل الحاسم في تحديد من سيقود ثورة الذكاء الاصطناعي.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست».
إقرأ المزيد