جريدة الإتحاد - 8/22/2025 12:21:16 AM - GMT (+4 )

في كثير من الأحيان يجد الإنسان نفسه أسيراً لمفاهيم راسخة تشربها منذ الطفولة. تلك المفاهيم، التي قد تكون تقليدية أو مغلوطة، تنسجها البيئة من حوله وتفرضها على وعيه، حتى تتحول إلى مسلمات لا تُسائل، رغم أنها قد تتعارض مع القيم الإنسانية الكبرى أو لا تصمد أمام النقد والتفكير الحر. وهنا يظهر دور الأدباء والفنانين والشعراء، فهم الذين يجرؤون على تحطيم هذه القيود، ويبحثون عن طرائق تفكير جديدة تفتح أبواب الخيال، وتعيد تشكيل الوعي بعيداً عن سطوة الماضي.
غير أن القادرين على هذا التحرر قلة، إذ يتطلب الأمر شغفاً بالمعرفة وجرأة في مواجهة المألوف، وهؤلاء لا سبيل لهم إلا عبر القراءة العميقة في الأدب والفلسفة والفكر. أما الغالبية فتظل محكومة بما اعتادت عليه منذ الصغر، تعيد إنتاج ما ورثته دون مساءلة، وكأنها تسير في دائرة مغلقة لا ترى ما وراءها.
عندما يقتحم القارئ العوالم الرحبة للأدب والفكر، يجد نفسه وجهاً لوجه أمام الأسئلة الكبرى التي أرّقت البشرية عبر العصور: من نحن؟ ما غاية وجودنا؟ ما معنى أن نحيا وسط هذا الركام من الأيام والأفعال؟ كثيرون يعيشون حياتهم منغمسين في تفاصيل يومية، يلهثون وراء رغبات سريعة الزوال، فلا يلتفتون إلى هذه الأسئلة، أو يظنونها ترفاً لا حاجة له. غير أن قلة أخرى تدرك أن هذه الأسئلة هي مفاتيح الوعي، وأن البحث عنها يمنح حياتنا بعداً أعمق ومعاني متجددة.
حين نقرأ قصيدة أو رواية، نشعر وكأننا نمسك بومضة من الزمن، لحظة إنسانية خالصة تُحاكي ذواتنا الداخلية. إنها فرصة نادرة للتأمل في أنفسنا، وللسعي إلى فهم من نكون ولماذا نعيش. فالأدب لا يقدم أجوبة جاهزة، بل يمنحنا لغة نتأمل بها وجودنا، ويضعنا في مواجهة حقيقتنا الإنسانية الملغزة.
يظل كل واحد منّا مدعواً إلى مراجعة المفاهيم التي كبّلته، والجرأة على تحطيم ما لا يخدم مسيرته، لينطلق نحو آفاق أرحب من الإبداع والحرية، حيث لا يهيمن الماضي على المستقبل، بل يصبح الوعي الجديد هو البوصلة التي تقودنا إلى حياة أوسع في المعنى وأجمل في القيمة.
ليست الحياة مجرد سلسلة من الأيام تتعاقب، بل هي قوس من المعاني المتناثرة التي لا يكتمل جمالها إلا حين نعيد تركيبها بوعي جديد، فنكتشف أن الحرية الحقيقية تكمن في إعادة صياغة ذواتنا باستمرار.
إقرأ المزيد