مصير غزة .. المسار العربي ومسارات أخرى
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

مع كل التطورات الجارية في قطاع غزة، والعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، والضغط على إسرائيل لوقف الخروقات الجارية داخل القطاع واستهدافه بهذه الصورة غير مسبوقة في تاريخ المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، يطرح السؤال التالي نفسه: هل فعلاً باتت غزة شأناً عربياً في الأساس، أم أنها باتت شأناً دولياً تتحكم في مستقبله الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبية إلى جوار الدول العربية المعنية؟ الواقع أن القطاع تم تدويل شؤونه منذ وقف إطلاق النار وسرعة الحركة الدولية، وخاصة الأميركية تعمل في هذا الاتجاه، خاصة أن مركز التنسيق الأميركي الإسرائيلي بات يعمل في القطاع، بالتنسيق مع بعض الدول الأوروبية، وبعد أن بدأت دول أوروبية مثل، فرنسا وبريطانيا تعمل أيضاً في إشارة مهمة بأن القطاع وبصرف النظر عما هو جار.
 وفي ظل ما يتم من تطورات في طريقه ليكون تحت الوصاية الدولية بصورة أو بأخرى من خلال القوة الدولية التي ستشكل عبر قرار دولي، وتحصن بقرار أممي يحدد طبيعة ما سيجري في الفترة المقبلة، خاصة أن إسرائيل تريد قوة محددة، ومن خلال قرار محدد منضبط يتماشى مع مصالحها السياسية والأمنية طويلة الأجل، ولا يحد من قدراتها على التحرك في الوقت المناسب، وعند أي تحرك من الفصائل الفلسطينية، وذلك في إطار مخطط تقسيم القطاع إلى شطرين.
 وبعد أن وجدت إسرائيل في مساحة أكبر من نصف القطاع لتأمين وجودها الأمني، وكي لا تكرر أحداث مفاجئة ما يشير إلى أن الأمر سيستمر في إطار دولي تقوم عليه دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول أخرى إسلامية، ما يؤكد أن مستقبل القطاع بات في يد القوى الدولية التي ستحرك الأمور في سياقات اقليمية ودولية.وفي هذا الإطار، فإن الحضور العربي المنشود قد يتوقف عن تمويل مشروعات الإعمار التي لن تتم في ظل وجود حركة «حماس» بالقطاع، ومن ثم، المأمول أن تتحرك الدول العربية لتمويل الإعمار، ولكن كيف وفي أي موقع وتحت أي اشراف في ظل التطورات الجارية في قطاع غزة، وبما يؤكد محدودية الحركة العربية على أرض الواقع، وفي ظل ما يجري من تخطيط لعقد مؤتمر إعمار القطاع الذي سيجري في مصر في منتصف الشهر الجاري، والمفترض أنه يتم في سياق عربي إسلامي ودولي. لكن الدول الأوروبية تخطط لمسار آخر للإعمار من خلال مقاربة مختلفة يمكن أن تدخل على الخط في حالة تحرك الإدارة الأميركية، وبعض الدول الأوروبية لبدء الإعمار في المناطق التي توجد فيها إسرائيل كمرحلة أولية، ما قد يعطي الفرصة لمزيد من التدخلات الدولية في شؤون القطاع، خاصة أن الأهداف فعلياً متضاربة والمسارات متعارضة، الأمر الذي يجعل من أي توافقات غاية في الصعوبة. ففي السياقات العامة تبدو الأهداف مركزة على التعامل على وقف إطلاق النار، ولكن كلما دخلنا في التفاصيل وجدنا مزيداً من التناقضات الحقيقية والمصالح التي يتحرك من خلالها كل طرف كل في سياقه، فالولايات المتحدة تتماهى في طرحها مع الأهداف الرئيسة لإسرائيل، وكانت بعض الخلافات تبدو في مسار التحرك، وليس في مضمون ما يتم الاتفاق بشأنه.
ولهذا تعمل إسرائيل على تطويع الموقف الأميركي لخدمة مصالحها، وتدرك الولايات المتحدة أن أي تحرك سيتم من خلال مزيد من الضغوط على إسرائيل، وإن كان القبول بفكرة مركز التنسيق الأميركي الإسرائيلي خطوة نحو مزيد من التنسيق على اعتبار أن الأمن أولاً، ويسبق كل خيارات أخرى في هذا السياق، وأن الإعمار وترتيبات الأمن الجماعية، ومهام القوة الدولية مؤجلة إلى حين ما قد يدفع باحتمالات تجمد الموقف داخل قطاع غزة لمزيد من الوقت، خاصة أن التجاذب بين «حماس» والفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية قائم في ظل ضغوط تريدها حركة «فتح» في عمل اللجنة الإدارية الخدمية في غزة، ومرجعياتها، ما يجعل أي اتفاق على أي خطوة تجري بالتخطيط بين مصر والأطراف المعنية، ومن دون موافقة السلطة والفصائل للعمل معاً أمر مستبعد.
إن الأوضاع في قطاع غزة تمضي في مسارات واتجاهات متعددة ومتنوعة، وفي إطار من الحسابات المختلف بشأنه بين الأطراف المعنية، والجميع يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في الوقت الراهن تخوفاً من ارتدادات حرب غزة على أمن المنطقة واندلاع صراع إقليمي من غزة مجدداً، وهو ما يدفع الاطراف المعنية الدولية للتركيز علي تبريد المشهد، والسيطرة على تبعاته، والانتقال تدريجياً من مرحلة وقف إطلاق النار لتغيير المشهد من الداخل في ظل إبقاء الأوضاع على ما هي عليه فلم يتم نزع سلاح حركة «حماس»، ولم تشكل الاستحقاقات المخطط لها وعادت الاطراف المعنية للحديث عن خياراتها.
 وتبقى الخيارات الراهنة مرتبطة بإبقاء استراتيجية الأمر الواقع للتعامل مع كل التطورات المحتمل أن تجري في الفترة المقبلة، بما في ذلك تجدد الحرب في مدينة غزة واستكمال الترتيبات الأمنية الإسرائيلية من جانب واحد في ظل دعم عسكري أميركي برغم تبني الإدارة الأميركية خيار التهدئة، وإبقاء وقف إطلاق النار قائماً برغم كل الخروقات الإسرائيلية للخطة الأميركية، والعمل على مسارات أخرى، وإلى حين أن تتضح الرؤية، فإن مسألة غزة، وما يحيط بها من تطورات وارتدادات متوقعة على الشرق الأوسط بأكمله ستبقى شأناً دولياً وليس عربياً فقط.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية. 



إقرأ المزيد