جريدة الإتحاد - 11/8/2025 12:22:09 AM - GMT (+4 )
يحدث أن صحا طفل من النوم مفزوعاً، بعد أن سمع صراخاً قض مضجعه، ولما فتح عينيه، ورأى أمه وهي تبكي بعد خلاف مع والده، هرع الطفل إلى صدر أمه، ولكن الأب لم يعجبه المنظر، فزجر الطفل، بصوت مثل زئير الليث، هرب الطفل بجلده واندسّ تحت في حضن الملاءة الخاوية، وظل مختفياً من أنياب كائن وحش ضار. في الصباح أرادت الأم أن تصحي طفلها للمدرسة، فأبى، وكان يرتجف، مثل سمكة تم قذفها على اليابسة، وبذلت الأم جهداً جهيداً كي تقنع الطفل بالاستيقاظ، والذهاب إلى المدرسة ولكن دون جدوى، فخافت الأم على طفلها، وانتابتها الهواجس وهي ترى ابنها ينتفض كمن أصابته الحمى، وازداد رعبها عندما تخيلت عودة زوجها، والطفل لم يغادر فراشه، فلبثت بالقرب منه لعله يخرج من ثوب الحالة التي تلبسته، وحوّلته إلى طفل مهزوم، وبلغ النهار نصفه، ولم يقلّ منسوب الخوف عند الطفل، بل تضاعفت الحالة سوءاً، عندما بدأ يصرخ، والدموع تنهال من عينيه مثل صنبور ماء مثقوب، شاخص البصر، كمن يشهد حدثاً مروعاً.
ولما عاد الزوج إلى البيت ورأى الطفل في حالة مخيفة، ترك غرفة الطفل، وانتقل إلى المجلس الذي كان يختلي فيه، وفكر، وتبصر، وتساءل، لماذا نحن هكذا؟، ولماذا أنا بالذات لمجرد خلاف بسيط أحول البيت إلى جحيم يسري في الهشيم؟ مكث هكذا لمدة أكثر من ساعة وقلبه ينفطر ألماً على ابنه، وكذلك زوجته المكسورة، فإذا به ينهض، ويتسلح بالإرادة ويذهب أولاً إلى زوجته، ويمسك برأسها، ويقبله معتذراً عن كل ما بدر منه، ويتأسف على الوقت الذي ضيّعه في خلافات تافهة، فخسر ابنه، الذي لم يكن في السابق يعيش حالة من الغربة عن والديه، وأصبح اليوم يشعر بأنه يسكن في بيت أشباح، يُصبِح على نزاع، وينام على صراخ، ولا مجال للتقارب بين الزوجين.
كانت المبادرة نضالاً حقيقياً ضد الذات، ووعياً بأهمية أن نتغاضى عن الأخطاء البسيطة، أما الأخطاء الكبيرة فهذه قابله للجلوس، والتفاهم حولها، فلا مشكلة في الحياة إلا في داخلها يكمن الحل، لأن المشكلات لم تنشأ لتحدث الفراق بالضرورة، بل هي اختبار لذكاء الإنسان، وإمكانياته التي تؤهله لأن يكون إنساناً، عندما يقوم بنفسه لحل مشكلاته، ولا يدعها تكبر لتصبح جبلاً من نار يحرق أكباد الفلذات.
أمثلة كثيرة تصادفنا في الحياة، ونماذج سيئة تقابلنا أيضاً، ورجال القانون والصحة النفسية، يعانون سوء استخدام بعض الناس سلطاتهم الأسرية، فالرجل أحياناً قد يكبت، ويتعجرف، والمرأة أحياناً تتمادى في الإهمال وعدم الانصياع للعقل، جاعلة من العاطفة عربة تأخذها إلى حيث تهب رياح الشمال، فتغرق سفينة الأسرة، وأول من يضيع هم الأطفال، ضحايا، البؤس، ورجس العواطف الميتة، وكل يشكو أنه المظلوم، ويطالب بالعدل. كل يهيب بمن يجد الحل بأن يحل، ولا مجال للحل طالما أن هناك عقلاً يشبه طاسة لبن فاسد.
إقرأ المزيد


