فيتنام.. بلد شبع من الرصاص -1-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

لا أعتقد أن بلداً في العالم حظي بكم من الرصاص وصليِّه مثلما تلقت فيتنام، فقد دفع الاتحاد السوفييتي وأميركا فيها كماً من الرصاص لو وزع على العالم لكفاه، ولم نسمع عن سايغون، هانوي، إلا وكان الرصاص والقتل، شخصياً مثل الكثير غيري أول مرة أسمع اسم فيتنام، كان من خلال ما يسربه لنا ذلك الراديو القديم في الأخبار، بحيث ظلت مرتبطة في الذهن بالحرب الدائمة التي لا تنتهي، وثوار «الخمير الحمر»، و«سايغون» المحترقة أو «هانوي» التي تدوي فيها الانفجارات، وبعدها برز اسم «هو تشي منه».
جغرافياً كان يختلط عليّ موقع فيتنام، وأول شريط سينمائي عرفني بها كان وثائقياً بالأبيض والأسود عن حروب الغابات، وقنابل «النابالم»، والذي عادة ما كان يعرض في دور السينما كشريط إخباري قبل بداية الفيلم، كانت عادة قديمة في السينما، ألغيت بحضور التلفزيون في كل المنازل.
أخذت فيتنام اسمها الحالي عام 1945، بعد استقلالها عن فرنسا، كانت تسمى «نام فييت» قديماً، أي «فييت الجنوبية»، ثم سميت «داي نام» أي الجنوب العظيم. فيتنام مكتظة بالسكان، حيث يزيدون على التسعين مليون نسمة، لا يعتقدون بالديانات، ولا القيادة تحبذ ممارسة أي طقوس دينية، حيث يعبدون أنواعاً من النباتات والحيوانات وأرواح الأجداد القدامى، وبعضهم بوذي وطاوي وكونفوشيوسي، ونسبة 10% مسيحية، لكنهم محاربون دائماً من أجل البقاء والحياة، لذا حقول الأرز الخضراء الممتدة كجنة غير متناهية، هي ميدان عملهم وتعبدهم، تغلب عليهم صفة البساطة والدماثة رغم كل ويلات الحروب التي تغير من طبيعة الإنسان، وتجعله مُعَلِماً للشيطان في نزوعه للشر المطلق.
كانت الصورة النمطية للرجل الفيتنامي، ذاك الشخص النحيف جداً بقبعته القش، ويحمل ثقلين في طرفي عصا، مثل حال العتالين والحمالين في الزمن البعيد أو يسحب الدخان من عود القصب هو سيجارته ومخدره، لكنها صورة أقرب للصورة السينمائية المدهشة للغريب، اليوم الزائر «سايغون أو هوشي منه» التي تم تغيير اسمها رسمياً عام 1976 تكريماً للزعيم الفيتنامي الثوري «هو تشي منه» بعد نهاية الحرب في فيتنام عام 1975 أو مدينة «هانوي» التي يتكون اسمها من مقطعين يعنيان «داخل النهرين» أو موقعها بين النهرين، النهر الأحمر، والنهر الأسود.
الزائر سيدهش من شعب مكافح، ومجالد ويحب العمل بطريقة مختلفة، ولم نعرفه حق المعرفة، ربما البعد واختلاف النظام واللغة كعائق، هناك مبانٍ جميلة ورائعة بهندسة مختلفة، ثمة حركة منذ الفجر، وحتى الهزيع الأول من الليل، وإذا كانت هولندا تشتهر بدراجاتها الهوائية، فإن فيتنام تزخر بدراجاتها النارية، حيث بإمكان عائلة مكونة من أربعة أشخاص أن يركبوا تلك المركبة بطريقة تحايلية لا تدري كيف؟، ذاهبين إلى المدرسة أو العمل، ربما لأن بنيتهم الجسدية تساعدهم في ذلك، فقد أمضيت أسبوعين في فيتنام لم أر امرأة واحدة متينة، على الرغم أن الأرز أو العيش أساسي في كل وجبة.
كل شيء جميل في فيتنام، عدا المطاعم التي تقدم لحم الكلاب والتي تشهد ازدحاماً غير عادي، وأسعارها غالية قياساً باللحوم الأخرى التي لا ندري فعلاً ما هي؟، لذا لا تستغرب أن تمضي أيامك في مدن فيتنام، ولا تسمع فيها نبيح كلب.. وغداً نكمل.



إقرأ المزيد