جريدة الإتحاد - 11/15/2025 12:04:21 AM - GMT (+4 )
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات المتصارعة على أرض السودان، ظلّ صوت الإمارات هادئاً، ثابتاً، وواضح الاتجاه.
لم تنشغل بلادنا بضجيج الاتهامات المتبادلة، بل ركّزت على ما هو جوهري، وفي مقدمته حماية الإنسان، وإنهاء الحرب، وفتح الطريق نحو سودانٍ مدنيٍّ يسوده السلام.
منذ اندلاع النزاع في عام 2023، تبنّت دولة الإمارات نهجاً واضحاً، يقوم على رفض العنف بكل أشكاله، وإدانة جميع الأطراف التي تمارس الانتهاكات ضد المدنيين.
أدانت الهجماتِ المشينة في الفاشر وغيرها من مناطق السودان، وعدّتها انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي، داعيةً طرفي النزاع على السواء إلى تأمين الممرات الإنسانية وحماية العاملين الإنسانيين.
لم تكن تلك المواقف بيانات دبلوماسية عابرة، بل ترجمة فعلية لسياسة إماراتية راسخة، ترى أن حماية المدنيين واجب أخلاقي يتقدّم على حسابات النفوذ والتحالف.
في كل منبر دولي، شدّدت الإمارات على أن مرتكبي الفظائع في السودان - أياً كانت مواقعهم - يجب أن يُحاسَبوا.. فهي تدرك أن العدالة شرطٌ لبقاء السلام، وأن الصمت على الجرائم يفتح الباب للفوضى.. لذا دعت المجتمع الدولي إلى تسمية من يعرقل وصول المساعدات، أو يرفض مبادرات وقف إطلاق النار، ومساءلتهم بشكل مباشر.
بهذا الموقف، تضع الإمارات معياراً جديداً للمسؤولية الدولية، حيث لا بيانات غامضة، بل تحديد واضح لمن يعطل السلام ويستغل المعاناة سياسياً.
وبينما انشغل آخرون بخطابات التشهير، جاءت مداخلة الإمارات في الدورة الاستثنائية لمجلس حقوق الإنسان لتكشف عن جوهر الأزمة، وهو أن القوات المسلحة السودانية والدعم السريع وجهان لعملة واحدة، وأن كليهما تخلّيا عن مسؤولياتهما تجاه الشعب.
ذكّرت الإمارات المجتمع الدولي بأن من يدّعي البطولة في بورتسودان اليوم، هو ذاته الذي أغرق دارفور بالدماء بالأمس.
كانت تلك الكلمات صريحة وحازمة، لكنها أيضاً إنسانية في جوهرها، فالأوطان لا تُبنى على المجازر والدمار، بل بالسلام والتسامح والحوار.
لم تكن الإمارات وحدها في هذا المسار، بل انخرطت ضمن «الرباعية الدولية» مع الولايات المتحدة والسعودية ومصر، لإطلاق خريطة طريق نحو سلام شامل.
ومع كل جولة تفاوض، أكدت أنه لا حل عسكرياً للحرب، وأن مستقبل السودان لا يمكن أن تصنعه البنادق بل عملية انتقالية مدنية مستقلة تُعيد للشعب صوته المسلوب.
وفي الميدان الإنساني، تجاوزت المساعدات الإماراتية حاجز 700 مليون دولار منذ 2023، بينها 200 مليون دولار تعهّدت بها في مؤتمر أديس أبابا، بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي و«الإيغاد».
لم تكن تلك الأرقام مجرد استعراض، بل امتداداً لدبلوماسية إنسانية ترى أن النجدة جزء من صناعة السلام.
الموقف الإماراتي من السودان ليس انحيازاً لطرف، بل انحيازٌ لإنسانٍ أنهكته الحرب.. فمنذ البداية، رفضت بلادنا التضليل الإعلامي الذي يحرِّف الحقائق، كما رفضت استغلال المساعدات لأغراض سياسية أو عسكرية.
وسط ضجيج البنادق، يعلو صوت الإمارات ناصعاً بالمعنى الأخلاقي والسياسي: السلام أولاً، والإنسان قبل كل شيء.
من أديس أبابا إلى جنيف، ومن الخرطوم إلى الفاشر، تقف الإمارات شريكاً في الأمل.. تسعى إلى أن ينهض السودان من رماده، لا بوهمِ النصر العسكري، بل بحقيقة السلام المدني الذي لا يُبنى إلا بالحوار والمساءلة والضمير، لأن السودان - كما تراه الإمارات - أكبر من جنرالاته، وأعظم من أن يُختزل في صراع فصائل.
إقرأ المزيد


