«بمبي والا.. شيراز قشنك» -1-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في الزمن البعيد والجميل، كانت هناك مدينتان مفضلتان لزيارة العائلات الميسورة في الإمارات والخليج، خاصة في فصل الصيف، «بمبي» الهندية، و«شيراز» الإيرانية، وهما مدينتان مختلفتان، ولا تتشابهان إلا فيما نريد، الأولى تشعرك أنك في مهرجان دائم أو «طماشا» على حد قولهم، وقولنا «طماشه»، والثانية مدينة خضراء جنوب إيران تقع على سهل جبل «زاغروس»، مدينة وادعة، وغنية ثقافياً وتاريخياً، كانت في زمانها إحدى الفراديس الجميلة والبهية، قليل منا من لحق على «شيراز» زمانها، وإنْ زارها كان صغيراً، ولا يتذكر منها ما يتذكر «شوابنا» من خيراتها، ورغيد عيشها، لأنه أتى عليها زمن لم تكن تحلم أن تعيشه، فقد غيّر وجهها، ودفنها حيّة، بقيت «بمبي» هي من لحقنا عليها في غض شبابنا، وحضتنا عليها تلك المناظر والمشاهد السينمائية في الأفلام الهندية، فبدأ زحفنا إليها مع أواخر السبعينيات، وأيامها من يزور «بمبي»، فهو «فنان وبطران» وأمه داعية له، لأنه يظل يسرد عن تلك الزيارات أشهراً، ويجلب من خيراتها وثيابها وعطورها وعودها ما يفرح الجميع.
لكن أيام الهند الجميلة، كانت أيام الدراسة الأولى في الجامعة، أيام الشباب و«الكشيش والشارلستون والقمصان الملونة المزررة وأحذية الكعب العالي»، كانت الرحلات إلى «بمبي» في الإجازات الدراسية والإجازات الطارئة التي تأتي كهدايا غير منتظرة أثناء العام الدراسي، فقد كنا نجد فيها كما وجد «الشواب» قبلنا، وأن «بمبي» ما لنا عنها غنى، وهي على رمية عصا، ومستعدين أن نتحمل إجراءات مطارها.
نفس هذه المدينة التي تغير اسمها أكثر من مرة على اختلاف الأصل والجذر في التسمية عبر الحضارة الهندية، كما تغير زوارها، لكنها هي لا تتغير، ولا تتغير أشياؤها بسهولة، فالهندي الذي يفتح باب دكانه الخشبي المتقشرة ألوانه من السادسة صباحاً، لو غبت عنه 15 سنة، فستجده على نفس الجلسة، ونفس البضاعة، ونفس الدكان، سيماء المدن الصاخبة أنها تبقى على رونقها، وعليك أنت أن تتحملها كيفما هي، قد تتغير أنت، ولا تعد تأتيها كعادتك، لكنها لا تتغير، وستنتظر قدومك وهي على حالها.
في هذه المدينة المكتظة بكل شيء، كنت أسكن غالباً في فندقين، يحملان أسماء كبيرة، لكنها بلا نجوم، مثل، «ناشيونال» و«امباسادور»، وهي مرحلة ثانية بعد أن تمرنت أولاً على فنادق «بمبي» مثل، «مسافر خآنه» أو فنادق تحمل أسماء كبيرة يحبها الهنود في تجارتهم مثل «جولدن أو إمبيريال»، وهي فنادق بنجوم زائفة، لكنها الحاجة، ولأنها تسمح بدخول الأكل والضيوف وتسمح للسائق المرافق بمأوى صغير، لكنه يفرحه، وضمن ميزانية الطلبة التي لم تكن دوماً فائضة.
أما المرحلة الثالثة فأتت بعد العز، فعرفت فندقي «تاج محل»، و«الأوبراي»، الأول قديم وذو طابع معماري كولونيالي، وإرث هندي مهراجي واضح، يجمع في ردهته التجار التقليديين، وزوار «بمبي» من العرب الأثرياء، أو المتمارضين، وطالبي الزواج، فقد كان يومها الزواج من الهند موضة، والعائلات الميسورة، كانت الردهة وصالة الاستقبال تشدخ من العود والبخور ودهن الورد ودهن العود، أما «الأوبراي» فقد كان فندقاً جديداً وقتها، وببرج وحيد، وربما كان أعلى برج في «بمبي» يومها، له طابع عصري، يؤمه ممثلو وممثلات السينما الهندية والفنانون والتجار غير التقليديين، من رجال الأعمال الجدد، والمنتجين والنصابين في سنغافورة وهونغ كونغ، والمنتفخين من أولاد الهنود الممثلين واللندنيين.. وغداً نكمل.



إقرأ المزيد