جريدة الإتحاد - 11/15/2025 12:56:18 AM - GMT (+4 )
مع انضمام سوريا إلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أصبحت الشريك الـ90 الملتزم في مكافحة تنظيم «داعش» والقضاء عليه، وهو ما يشكل محطة مفصلية في التعاون الإقليمي. وقد وصفت السفارة الأميركية في دمشق هذا الانضمام بأنه «يمثل خطوة مهمةً للعمل جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة والدول الشريكة في مكافحة الإرهاب، ويعد جزءاً من مسيرة بناء سوريا آمنة ومستقرة، كما سيمكن من التعاون الأمني والتدريب المشترك، بما يعزز حماية السوريين من الإرهاب، ويتيح استعادةَ الاستقرار وتعزيز فرص إعادة الإعمار بعد 14 عاماً من الحرب المدمرة».
ويأتي هذا التطور منسجماً مع خطة سوريا الجديدة التي تسعى إلى «القطع» مع ماضيها، والخروج من صورة الدولة الراعية للإرهاب، وتثبيت موقعها ضمن منظومة الأمن الإقليمي والنظام الدولي، علماً بأن الرئيس أحمد الشرع يرى في التعاون مع الولايات المتحدة فرصةً لبلاده، ويعتبر أن التعاون ضد تنظيم «داعش» يشكل مظلةً سياسية استراتيجية لسوريا. وتحاول دمشق في الوقت نفسه أن تجد لنفسها موقعاً مطلوباً، مستفيدةً من حاجة القوى الإقليمية إلى تثبيت الاستقرار شرطاً لإنعاش اقتصاداتها، وكذلك حاجة الدول الكبرى إلى شركاء محليين يمكنهم إدارة ملفات الأمن والمصالح في المنطقة، لا سيما أن واشنطن بدأت منذ عقود بإعادة هندسة التوازنات الإقليمية، بما يخدم مصالحها. ولذا وصفت كبرى المنصات الأميركية اللقاء بين الرئيسين السوري والأميركي بأنه «حدث تاريخي» يطوي عقوداً من القطيعة، ويكرّس تحولا عميقاً في موقع سوريا ضمن الاستراتيجية الأميركية.
لقد أدى سقوط النظام السوري السابق، في الثامن من ديسمبر 2024، إلى فتح الباب أمام واحدة من أعقد المعارك الاقتصادية التي تشهدها سوريا منذ عقود؛ فالتضخم المتسارع، وانهيار الثقة بالعملة الوطنية، وسيطرة المضاربين على السوق السوداء.. إلخ، كل ذلك جعل من الليرة السورية رمزاً للأزمة أكثر مما هي أداة للتبادل وحفظ القيمة.
لكن مع انطلاق الإدارة الجديدة «فلت الدولار من عقاله» بإلغاء المرسوم رقم 3 للعام 2020 الذي يمنع تداوله تحت طائلة عقوبة السجن. وانتشرت «الدولرة» في أنحاء البلاد، ولم يقتصر تداول العملة الأميركية على القطاع الخاص، بل شمل أيضاً مؤسسات القطاع العام. واشتد أثرها الكبير مع تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية الموعودة، والتي قدرت بنحو 28 مليار دولار، فضلاً عن عودة عدد من المستثمرين السوريين للاهتمام بتنفيذ مشاريع في قطاعات مختلفة.
لا شك في أن لعملية «دولرة» الاقتصاد السوري مزايا مهمة، منها حماية الأفراد والمؤسسات من مخاطر انخفاض قيمة العملة الوطنية وتغيراتها، إضافة للحماية من التضخم، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي. كما تساعد هذه العملية في دمج الاقتصاد المحلي بشكل أسهل في الأسواق المالية والاقتصاد العالمي. ولكنها تحمل في الوقت نفسه مخاطرَ عدة، خاصةً أن «الدولرة» الكاملة تؤدي إلى فقدان الاستقلال النقدي، وفقدان الثقة بالعملة الوطنية التي تعتبر رمزاً وطنياً حيوياً.
وبما أنه لا يمكن مواجهة «الدولرة» وحماية الليرة بنشاط محدود للمصارف القائمة، فقد أعلن محافظ البنك المركزي عبد القادر الحصرية خطةً استراتيجية طويلة الأجل، تستهدف مضاعفة عدد البنوك العاملة في سوريا من 16 مصرفاً في الوقت الحالي إلى 30 مصرفاً بحلول عام 2030، في إطار جهود شاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي المتضرر من سنوات الحرب الأهلية، والعقوبات الاقتصادية الدولية.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية
إقرأ المزيد


