حول قانونية قصف قوارب المخدرات
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

لا تزال الضربة الأولى في حرب الولايات المتحدة الناشئة ضد مهربي المخدرات غير الشرعيين محاطة بالغموض. وفي أوائل سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس دونالد ترامب الضربة، وأكد أن أحد عشر إرهابياً من عصابة «ترين دي أراغوا» الفنزويلية كانوا على متن قارب يحملون شحنة مخدرات وكانوا «متجهين إلى الولايات المتحدة».

وبعد مرور شهرين، لم تقدم إدارة ترامب أدلةً تؤكد صحة تلك التفاصيل، أم أن أميركا دمرت قارباً مليئاً بالمدنيين الأبرياء، بل وواصلت هجماتها التي بلغت 17 ضربة حتى الآن، أسفرت عن مقتل 70 شخصاً، وفقاً للتقارير. وصرّحت آنا كيلي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأن جميع الضربات وُجهت ضد إرهابيين مُصنَّفين على أنهم مُهربو مخدرات، موضحةً أن الرئيس سيواصل استخدام «كل ما في وسعه من قوة أميركية لمنع تدفق المخدرات إلى بلادنا».

ووفقاً للإدارة الأميركية، فإن هذه الضربات قانونية لأن الولايات المتحدة في صراع مسلح مع جماعات تهريب مخدرات صنّفتها كمنظمات إرهابية أجنبية. كما تقول الإدارة إن جرعات المخدرات الزائدة قتلت أميركيين أكثر من ضحايا تنظيم «القاعدة» الإرهابي المسؤول عن هجمات 11 سبتمبر. ولا يمكن إنكار أن تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة يضر الأميركيين، لكن العديدَ من الخبراء القانونيين، حتى الذين يقدرون تشدد ترامب في التعامل مع خطر المخدرات، يرون أنه يستخدم صلاحيات الحرب بطريقة غير قانونية. وتقول ريبيكا إنغبر، أستاذة القانون في كلية كاردوزو، المستشارة القانونية السابقة في وزارة الخارجية: «بموجب القانون الدولي، يُعد القتل المستهدف لمجرمين مشتبه بهم إعداماً خارج نطاق القضاء، وبموجب القوانين الأميركية المحلية يُعد قتل عمد».

وتقول الحكومة إن مكتب المستشار القانوني بوزارة العدل شرح سلطتَها القانونية لتنفيذ الضربات، لأن تجارة المخدرات تُشكل تهديداً وشيكاً للأميركيين، وهو ما ينطبق على مجموعة من الكارتلات أوسع من تلك التي أدرجتها إدارة ترامب علناً كمنظمات إرهابية. إلا أن خبراء القانون يرون ذلك تبريراً ضعيفاً لحملة جوية ضد قوارب عاجزة، تقول الحكومة، دون دليل، إنها تنقل المخدرات إلى الولايات المتحدة. وقد شدد مسؤولو الإدارة على أن كل ضربة نُفذت بعد جمع دقيق للمعلومات الاستخباراتية، وأن قرار الاستهداف استند إلى تقييمات شاملة ومراجعة عبر إجراءات معتمدة. ويقول الخبراء إنه من المفهوم أن ترغب الحكومةُ في الحفاظ على سرية بعض تفاصيل جمعها الاستخباراتي، لكن الإدارات السابقة كانت أكثر شفافيةً بشأن العمليات العسكرية الأميركية في الخارج، حيث سارعت إدارة أوباما إلى نشر تفاصيل العملية التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن في باكستان عام 2011. كما كلف الرئيس جورج دبليو بوش بتحقيق مشترك بين الحزبين، أسفر عن تقرير عام يصف الإخفاقات الاستخباراتية التي أدت إلى حرب العراق عام 2003.

وتثير إحدى الضربات الأخيرة تساؤلات شائكةً حول شرعية الحملة الأميركية الحالية. ففي 16 أكتوبر، أعلن ترامب ضربة على قارب شبه غواص في منطقة البحر الكاريبي، استُهدف خلالها أربعة من «إرهابيي المخدرات»، لكنَّ اثنين منهم نجيا. وسرعان ما أُعيد الناجيين إلى بلديهما الأصليين، الإكوادور وكولومبيا، «للاحتجاز والملاحقة القضائية».

ويبدو من غير المرجح أن يُحاكم أي من الرجلين في بلده الأصلي. كما أن السرعة التي سلّمت بها الولايات المتحدة الناجيين تُلقي بظلال من الشك على قول الإدارة بأن الولايات المتحدة في حالة حرب مع عصابات المخدرات، وفقاً للخبراء، الذين يتساءلون: «في أي حرب تأسر فيها مقاتلين أعداء ثم تُعيدهم إلى ديارهم؟». وتوضح هذه الحادثة، كما تقول الأستاذة ريبيكا إنغبر، أن الإدارة تمتلك ما تراه كافياً من الأدلة لتبرير قتل أشخاص في المياه الدولية، لكنها لا تملك ما يكفي منها لمحاكمتهم. كما أن تعريف «إرهابي المخدرات» غير واضح تماماً، إذ إن الجماعات الإرهابية تُعرف عادة بدوافعها السياسية، بينما تُحرك الكارتلات الرغبة في الربح. عادةً ما تصدر الأصوات القلقة بشأن تلك القضايا من جيش المحامين المُختصين بالعمليات العسكرية في البنتاغون والبيت الأبيض.

لكن في وقتٍ سابق من العام الجاري، أقالت إدارة ترامب كبارَ المحامين العسكريين، المعروفين باسم «المحامين العامين»، والذين يخدمون في الجيش والبحرية والقوات الجوية. كما فصلت محامين وعملاء يُعتبرون مُعادين لترامب في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، حيث صرح وزير الدفاع بيت هيجسيث بأنه لا يُريد أن يُشكل المحامون أي «عقبات أمام الأوامر التي يُصدرها القائد العام». غير أن الخبراء يقولون إن مهمة القضاة المحامين هي بالضبط وضع تلك العوائق القانونية عندما يصدر الرئيس أوامرَ مثيرة للجدل من الناحية القانونية.

ولا يزال التفويض واسع النطاق باستخدام القوة العسكرية، الذي أقره مجلسا النواب والشيوخ عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، ساري المفعول، رغم الانتقادات بأنه يمنح الرئيس سلطةً مفرطة دون رقابة كافية. منذ أحداث 11 سبتمبر، تبنّت الولايات المتحدة نهجاً أكثر غموضاً وانفتاحاً في التعامل مع الحروب، حيث تحول أعداؤها من دول ذات سيادة إلى منظمات سرية وعديمة الجنسية.

وفي حين أن هذا النهج منح الرئيسَ مزيداً من السلطة، يقول المؤيدون إنه ضروري للرد على تهديدات متزايدة، يرى المنتقدون أنه منحه سلطةً مفرطةً، ومن شأنه أن يقود الولايات المتحدة إلى حروب دائمة وباهظة التكلفة، مما يؤدي إلى نفور بعض الأميركيين وحلفائهم.

*صحفي أميركي متخصص في قضايا الحدود والكوارث الطبيعية والعنف.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»



إقرأ المزيد