جريدة الإتحاد - 11/17/2025 11:03:27 PM - GMT (+4 )
لم تعد الأسرة مجرد إطار اجتماعي محدود، بل أصبحت محوراً رئيسياً في بناء الدول وصناعة مستقبلها، وكل ما يحدث داخل هذا الكيان الصغير ينعكس ويلقي بظلاله مباشرة على المجتمع، وبالتالي قدرة الدولة على تحقيق التنمية والاستقرار، ومن هذا المنطلق تتجه الحكومات الحديثة إلى وضع سياسات تستهدف الأسرة، باعتبارها نقطة الانطلاق نحو مجتمع أكثر تماسكاً وإنتاجاً.
والأسرة كذلك هي المدرسة الأولى التي يقع عليها مسؤولية تنشئة جيل قادرٍ على المشاركة في نهضة وطنه متسلحاً بالعلم والمعرفة، وفي أحضانها تصقل طاقات الأبناء وتنمو مواهبهم لتتحول طموحاتهم إلى نجاحات تثري مسيرة الوطن، وتعزز حضوره الريادي على الساحة العالمية. ولهذه الأسباب وغيرها الكثير، تحظى الأسرة الإماراتية باهتمام بالغ في أعلى مستويات القيادة، إيماناً بأنها هي اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وهي الأساس المتين الذي يقوم عليه هذا الكيان، فبصلاح الأساس يصلح البناء، وكلما كان الكيان الأسري سليماً ومتماسكاً كان لذلك انعكاساته الإيجابية على المجتمع الذي نطمح لأن يساير ركب الرقي والتطور.
ومن هذا المنظور يمكن لنا أن ندرك ونفهم دوافع الدعوة التي وجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتخصيص عام 2026 ليكون «عام الأسرة»، في مبادرة تستهدف ترسيخ قيم العطاء، وتعزيز أهداف الأجندة الوطنية لنمو الأسرة الإماراتية، ودعم مكانتها. مبادرة «عام الأسرة» تأتي في أعقاب «عام المجتمع»، لتجعل الأسرة محور التنمية المستدامة، بما يعزز رؤية الدولة في توفير مساحات شاملة تُمكّن الأسر من العيش بكرامة وأمان تطبيقاً لأفضل معايير جودة الحياة، حيث تشكل الأسرة أحد أهم مستهدفات مئوية الإمارات 2071 في محور «أسعد مجتمع في العالم».
واللافت أن المبادرة تستهدف كل مكونات الأسرة وأفرادها، بما فيهم الفئات الأَولى بالرعاية، مثل كبار المواطنين «من الشواب» وأصحاب الهمم، والأطفال المعرّضين للخطر، وغيرهم في إطار وقائي شامل، يعزز من دمج هذه الفئات في المجتمع، ويعزز استقلاليتهم، ضمن بيئة داعمة وآمنة عبر تطوير خدمات نوعية وتخصصية تُقدَّم من خلال آليات موحّدة، تراعي التباين الأسري في مختلف مناطق الدولة.
إن القيادة كما عهدناها في قراراتها عينها دوماً على الإنسان وحرصها على رفاهيته بلا حدود، وفي خطوتها الجديدة تسعى نحو ترسيخ وعي مجتمع الإمارات من مواطنين ومقيمين -على حد سواء- بأهمية الحفاظ على الترابط الأسري والعلاقات المتينة التي تجمع أفرادها، إضافة إلى تعزيز دور الأسرة في غرس قيم التعاون والتواصل والتآلف التي يتميز بها مجتمع الإمارات، مع الحرص على نقلها إلى الأجيال المقبلة للحفاظ عليها واستمراريتها.
واهتمام القيادة بالأسرة ليس وليد اليوم، بل بدأ منذ زمن بعيد، فإلى جانب العديد من المؤسسات المعنية بشؤون المرأة والأسرة والطفل، استحدثت الإمارات قبل سنوات وزارة للأسرة، وحددت مهمتها بوضع الإستراتيجيات الوطنية التي تعزز نموها من ناحية، ودعم دورها في المجتمع لترسيخ القيم الوطنية والعادات والتقاليد من ناحية أخرى، وتعمل وزارة الأسرة على ترسيخ مكانة الأسرة، وتعزيز استقرارها ورفاهيتها، بما يُجسّد مبادئ الإمارات في الحفاظ على الترابط الأسري والقيم التي تميّز مجتمعنا وتبرز أصالته.
وفي إطار الاستجابة لدعوة القيادة، وبتوجيهات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، قمنا في مؤسسة التنمية الأسرية بعقد سلسلة مشاورات على مستوى مجلس الأمناء لبحث أفضل الوسائل للاستعداد لعام الأسرة، وقررنا إطلاق سلسلة من حملات التوعية والفعاليات المجتمعية على مستوى كافة فروع المؤسسة في إمارة أبوظبي. تحرك المؤسسة والتواصل المباشر مع المواطنين هدفه تعزيز وعي المجتمع بدور الأسرة، وترسيخ ثقافة التماسك الأسري، وتشجيع المشاركة المجتمعية في دعم المبادرات الوطنية، بما يلبي المتطلبات الحالية للأسرة، ويستبق احتياجاتها المستقبلية، من أجل بناء أسرة إماراتية مزدهرة بقيم راسخة.
إن تخصيص العام المقبل للأسرة يعني باختصار وضعها في جوهر العمل الحكومي الاجتماعي، من خلال سياسات متكاملة، وبرامج نوعية، بما يسهم في بناء أجيال قادرة على تحقيق الطموحات المنشودة لكافة أفراد الأسر نحو مستقبل أكثر إشراقاً في وطن يضع الإنسان في مقدمة أولوياته. إن الاهتمام بالأسرة هو استثمار استراتيجي طويل المدى، فبقدر ما تكون الأسرة قوية ومتماسكة ومتعلمة، يكون المجتمع أكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر، وأكثر قدرة على تحقيق التنمية والاستقرار. قيادتنا الرشيدة تعلم جيداً أن الأسرة هي البداية… ومن يحسن البداية يضمن مستقبلاً أفضل.
إقرأ المزيد


