الظاهرة الأصولية.. والأبحاث اليسارية
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

في صباح السابع من أغسطس عام 1998، استقلّت خليّة من تنظيم «القاعدة» شاحنتين متوجهين نحو سفارتيْ الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي ودار السلام بكينيا، في نيروبي، وتفجّرت الشاحنة بمنطقة لركن السيارات، مما أسفر عن مقتل 213 شخصاً، من بينهم 12 موظفاً أميركياً، وفي دار السلام اقتحموا السفارة وفجّروها وراح ضحية الهجوم أكثر من مئة شخص، والتوقيت لم يكن اعتباطياً بل كان هدفه الانتقام من أميركا بمناسبة الذكرى الثامنة لمساندة الولايات المتحدة لدول التحالف في تحرير الكويت، ومن بين المنفّذين وأخطرهم ممدوح محمود سالم، وهو عضو مؤسس لتنظيم «القاعدة» ومقرّب من ابن لادن، اعتقل في ألمانيا وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة بعد تسليمه.
 مشهد الحدَث شرح للعالم أن الوحوش خرجت من الكهوف، جاء الحدث بعد ست سنواتٍ على أطروحة فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ»، وأفكاره عن تسيّد الليبرالية، وانتصار النموذج الغربي بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبعد سنتين من أطروحة صامويل هنتنجتون «صراع الحضارات».
 لقد كانت صدمة مدوّية أدرك حينها العارفون أن غليان ما بعد الحرب الأفغانية والسجال الأصولي بعد تحرير الكويت سوف ينتج ظاهرة خطيرة قد تدمّر الإقليم وتهدد أمنه.
في 12 أكتوبر عام 2000 وبينما كانت المدمّرة «يو إس إس كول» الأميركية ترسو في ميناء عدن، فجّر انتحاريّ نفسه مما سبب بعض الدمار، ولكن الأخطر أن التفجير راح ضحيته 17 من البحارة الأميركيين، وقد مُثُلت قصّة الحادثة في مسلسل The Looming Tower «البروج المشيدة»، وهو اسم كتاب لورانس رايت وأصل المسلسل مأخوذٌ منه.
 لكن بلغ الحدَث ذروته بعد 11 سبتمبر حينها بدأ التركيز الفعلي على الموضوع الإرهابي على المستويات السياسية والأمنية، ومن ثم دخل بعض المفكّرين والباحثين على الخط.
 وهنا بيت القصيد، لم تكن التحليلات الغربية فاقهةً لأصل ولبّ الظاهرة، ذهبوا نحو التعليل السياسي والاجتماعي، ولم يركّزوا على الفكري، يتحدثون عن أن سبب الظاهرة يكمن في تخلف العالم الثالث، وهذا مروّجٌ له وبخاصةٍ في أبحاث بعض الأوروبيين اليساريين.
 مثلاً، في كتاب: «الإسلام الآن-حوارات مع فيليب بتي» حين سئل عن كل من الباحثين أوليفيه روا وجيل كيبل وفرانسوا بورغا تحدّث عن مستوى ربطهم للسياسة بالإسلام، ثم انتقد ما وصفه بنزعتهم «اليسارية الخائبة»، ثم ينتقد المقولة الخطيرة: «أن الإسلاموية تتقمّص صورة الاحتجاج».
 إن الفرنسي «فيليب بتي» ينتقد وبقوّة استعمال الإسلام السياسي للإسلام ويصف نتاج العديد من الباحثين الذين أشار إليهم بأنهم يطرحون حكماً خطيراً.
الخلاصة، أن التحليل الغربي للظاهرة الأصوليّة في بعضه منقوص، وللأسف أن من تولى زمام تحليل الموضوع مجموعة من اليساريين الذين لا يفهمون المنطلقات ولا يعرفون تفاصيل الأصل لنموّ مثل هذه التنظيمات وتأسيسها، ولم يطّلعوا على الأساس التي بنيت عليه تلك الظواهر... وهذا تفصيله يطول.


*كاتب سعودي



إقرأ المزيد