جريدة الإتحاد - 11/26/2025 11:48:03 PM - GMT (+4 )
هناك شعور محموم ومثير للتوتر يخيّم على الاقتصاد الأميركي هذه الأيام. فالمستهلكون قلقون، وفي الوقت نفسه يقترب عالم المقامرة من الأسواق المالية، إذ يراهن الناس على مختلف أنواع الأصول والأحداث الغريبة. ونصف الرجال الشباب في الولايات المتحدة لديهم حساب للمراهنات الرياضية عبر الإنترنت، وبعضهم بدأ يواجه مشكلات بسبب ذلك. وهذا يُثير السؤال: هل نعيش في اقتصاد أشبه باقتصاد الكازينو؟ اقتصاد محفوف بالمخاطر، يندفع بلا ضوابط نحو انهيار محتوم؟ الإجابة القصيرة وغير المرضية هي: نعم ولا. من نواحٍ عديدة، لم يكن الاقتصاد أكثر أماناً من أي وقت مضى، لكن الناس يتجنّبون المخاطرَ الصحية ويخوضون مجازفات سيئة.
الحُجّة التي تدعم فكرة اقتصاد المخاطرة واضحة ويكفي أن ننظر حولنا. أولاً، هناك الذكاء الاصطناعي، والذي هو كغيره من التقنيات الجديدة، يُحدث دورات ازدهار وكساد تتضمن استثماراً مفرطاً في أشياء غير مناسبة، وأسهماً مبالغاً في قيمتها، ومضارباتٍ، وفي النهاية انهيار اقتصادي. قد يُحدث الذكاء الاصطناعي تحوّلاً في الاقتصاد ويُثري البشرية، لكنه سيخلق في نهاية المطاف مخاطرَ ماليةً جديدةً، والعديدَ من التحديات.
تخرج الولايات المتحدة أيضاً من فترة طويلة من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، مما يُشجّع على الإفراط في المضاربة. فقد ساهمت أسعار الفائدة المنخفضة في تفاقم المخاطر الغامضة التي تلوح في الأفق في قطاع الائتمان الخاص، على سبيل المثال. ولا شكّ في أن هناك بعضَ الأمور الغريبة التي تَحدث في الأصول ذات القيمة المشكوك فيها، مثل العملات المشفّرة وأسهم الميم ومعادن مثل الذهب، ناهيك عن المراهنات واسعة النطاق على الأحداث الرياضية والسياسية.
أما الحُجَّة المضادة فهي أكثر دقة، إذ من الصعب التوفيق بين فكرة اقتصاد كازينو وبين جيل يتجنّب مخاطر كانت تُعد يوماً ما عادية. وهل يُمكن للجيل نفسه الذي نشأ على يد آباء مُفرطين في الرعاية أن يُحوّل الاقتصادَ الأميركي إلى اقتصاد مخاطرة؟
ليس من الواضح أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة تمرّ بمرحلة حرجة من دورة استثمارية مدفوعة بالتكنولوجيا، وبتأثير أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، أم أن هذا الاقتصاد أكثر عرضةً للمخاطر الهيكلية. هناك العديد من الضمانات الآن، فالأُسر لديها أموال أكثر، وقد نمّت دولة الرفاهية بمرور الوقت لتغطية المزيد من الناس. وتتمتع نسبة أكبر من الأميركيين، أكثر من أي وقت مضى، بإعانات البطالة والتأمين الصحي وحسابات التقاعد.
وفي نواحٍ عديدة من حياتهم، أصبح الناس يُخاطرون أقل، وهم أقل عرضة للانتقال، أو تغيير الوظائف، أو حتى للمُخاطرة بعلاقة عاطفية. وهذه في الواقع مخاطر جيدة، ذات احتمالات أعلى للنجاح وتغيير حياة الفرد نحو الأفضل. وفي المقابل، هناك مخاطر سيئة، مثل رهن المنزل للمراهنة على مباراة كرة قدم. والمشكلة أن الكثير من الأميركيين يخوضون اليوم مخاطر جيدة أقل ومخاطر سيئة أكثر.
والسؤال هو: لماذا؟ إحدى النظريات تقول إن كثرة المخاطر «الجيدة»، مثل الزواج وتكوين أسرة أو شراء منزل، أصبحت مكلفة للغاية. وإذا شعر الناس بالاستبعاد من المخاطرة المثمرة، فقد يراهنون على الرياضة أو أسهم الميمات. لكن الأجيال السابقة كانت أقل ثراءً، ومع ذلك تمكّنت من تحقيق هذه الإنجازات. وعلاوة على ذلك، فإن عدم قُدرة شخص ما على شراء منزل لا يعني أنه لا يستطيع المخاطرة المالية السليمة، مثل الاستثمار في صندوق مؤشرات!
وثمةُ نظرية أخرى تقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تشجّع الناس على تجنّب المخاطر الذكية. وبالطبع، فالمراهنة على مباراة رياضية أكثر متعة من الاستثمار في صندوق مؤشر، وعادةً أكثر إثارة. كما تساهم السياسات العامة في المشكلة: الحكومات تنظّم المقامرة الرياضية بشكل أقل مما ينبغي، لكنها تُبالغ في تنظيم الإسكان، فيصبح من السهل المراهنة، مما يُسهّل المراهنة ويُصعّب الانتقال.
وأخيراً، ينبغي عدم التقليل من أهمية التجربة الشخصية، فهذا جيلٌ واجه مخاطرَ أقل في طفولته، وبالتالي قد يكون أقل مهارةً في المخاطرة من آبائه. لا يقتصر الوعي المالي على معرفة الفائدة المركبة فحسب، بل يشمل أيضاً فهمَ لماذا تعد بعض الأصول ذات عوائد أعلى: غالباً لأنها أكثر خطورة.
يشعر الناسُ بأن الاقتصاد يمر بحالة من الاضطراب، وأن الأسواق متذبذبة، لأنها تمرّ الآن بالمرحلة التي يتجه فيها الكثيرون إلى رهانات متهورة. هذه الطبيعة الدورية ليست جديدة، ويصعب القول بأن هذه أوقات محفوفة بالمخاطر على نحو فريد. لكنها تزداد سوءاً بوجود هذا العدد الكبير من المقامرين غير المهرة. وسيأتي الانهيار، ربما ليس غداً، وربما ليس العام المقبل، ولكن في يوم ما. والسؤال حينها سيكون: كيف سيتعافى الاقتصاد؟ فالانهيارات والتصحيحات جزء ثابت من النظام الاقتصادي، لكن قدرة البشر على الصمود تختلف. ومع انتشار أوسع للتأمينات الاجتماعية وزيادة الثروة، أصبح الأميركيون أكثر قدرةً على تجاوز الانتكاسات من أي وقت مضى. لكن: هل سيحصل المقامرون الذين يعانون من مشكلات على المساعدة التي يحتاجونها؟
*كاتبة وزميلة بارزة في معهد مانهاتن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
إقرأ المزيد


