من الصحراء إلى القمة.. حكاية وطن وُلد بالإصرار
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 في عيد الاتحاد هذا اليوم الذي تتجدد فيه مشاعر الفخر والانتماء، نروي حكاية وطنٍ كتب اسمه في التاريخ بالإصرار والإيمان، وقدم للعالم نموذجاً فريداً في البناء والوحدة والريادة.
سقَتْكَ العُلا مجداً فأثمرَ غرسُها
وسارَتْ بكَ الأيامُ تَزهُو وتَفْتَخِرُ

فيا وطني السامي، وإن قصُرَ المدى
ففيكَ من الإعجازِ ما لا يُقَدَّرُ

في الثاني من ديسمبر عام 1971، لم تكن الإمارات كما نعرفها اليوم. كانت أرضاً بسيطة، لا تملك من مقومات الدولة الحديثة إلا صدق النية وعزيمة الرجال الذين آمنوا أن الاتحاد هو طريق القوة والبقاء. يومها اجتمع القادة على كلمة واحدة، ووضعوا أسس وطن واثق بنفسه، يحلم أن يكون له مكان تحت الشمس.

لم يكن الطريق سهلاً، فالكثيرون شكّكوا، وبعضهم تردّد، لكن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قال كلمته التي غيّرت التاريخ: «الاتحاد هو طريق القوة، وبه نضمن المستقبل ونصون الكرامة». بهذه الرؤية انطلقت المسيرة من الصفر، بخطوات بطيئة، لكنها راسخة. واليوم، حين ننظر حولنا، ندرك أن خيام الأمس تحوّلت إلى مدنٍ تلامس السماء، وأن رمال الصحراء صارت مناراتٍ تضيء للعالم طريق التقدّم.
أربعة وخمسون عاماً غيّرت وجه الوطن كما لم يتغيّر بلدٌ آخر في زمنٍ قصير. من دولةٍ ناشئة محدودة الموارد إلى قوةٍ عالمية في الاقتصاد والعلوم والفضاء والمساعدات الإنسانية. أصبحت الإمارات اليوم في طليعة الدول في مؤشرات التنافسية والتنمية وجودة الحياة، وجوازها من الأقوى في العالم، ومدنها من الأجمل والأكثر أماناً. تحققت نبوءة زايد حين قال: «كنا نسكن في الخيام، واليوم نبني ناطحات السحاب، لكننا لم ننس جذورنا».
أطلقت الإمارات «مسبار الأمل» إلى المريخ، ليس إنجازاً علمياً فحسب، بل رسالة إلى العالم أن من يؤمن بنفسه لا يعرف المستحيل.
أسست رؤية الإمارات 2071 لتقول للأجيال القادمة، إن المسيرة لم تبدأ لتنتهي، بل لتستمر وتزدهر. ومن فكر زايد خرجت مقولته الخالدة: «من لا يفكر في الغد لن ينجح في اليوم» وهكذا فكّرت القيادة، وخطّت الإمارات طريقها نحو المستقبل بثقةٍ وإصرار.
في عيد الاتحاد الرابع والخمسين نقف أمام عَلمٍ يختصر حكاية وطنٍ وُلد من العزيمة والإيمان، وارتفع بإخلاص شعبه وصبر قيادته. نتذكر زايد ورفاقه الذين لم يورّثونا المال، بل ورّثونا الإلهام والقدرة على الحلم. قال زايد: «الثروة ليست في المال، بل في الرجال الذين يصنعون المستقبل»، وهؤلاء الرجال هم أبناء الإمارات اليوم الذين يسيرون على نهج المؤسس تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يحملون الراية بثقة، ويبنون وطناً لا يتوقف عند حدود الطموح.
إلى أجيال المستقبل، احملوا إرث الإمارات في قلوبكم كما نحمله نحن في ذاكرتنا. لا تنسوا كيف بدأنا وكيف اجتمعنا على قلبٍ واحد لنصنع دولةً أصبحت فخراً للعرب والعالم. ابنوا كما بنينا، لكن احفظوا ما بُني، وسيروا بثباتٍ مع العلم والتكنولوجيا دون أن تفقدوا هويتكم.
ثقافتنا الإماراتية هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، وهي التي منحتنا هويتنا ومكانتنا بين الأمم. العقل الإماراتي المتعلم هو ثروتنا الحقيقية، عقل يجمع بين الأصالة وعلوم العصر، لا يرى تناقضاً بين الدين والعلم، ولا بين الماضي والمستقبل. علّموا أبناءكم أن حب الوطن ليس شعاراً، بل عملٌ يومي وإخلاص في كل مهمة، وأن الاتحاد لا يُحفظ بالشعارات، بل بالعطاء.

في عيد الاتحاد، في هذا اليوم، حين ترفرف الأعلام فوق البيوت والقلوب، لا نحتفل بذكرى فقط، بل بفكرةٍ خالدة: إن الاتحاد أقوى من الانقسام، وإن الحلم لا يموت ما دام الإيمان يسكن القلوب.
هكذا كانت الإمارات، وهكذا ستبقى، قصة وطن بدأ من لا شيء، فأصبح كل شيء.
*لواء ركن طيار متقاعد.



إقرأ المزيد