رجال عَرَفتهم أم سبع البلادين -31-
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

حين بدأ يشب، قال الناس: والله ما سار بعيد، ظهر على خواله! والذين كانوا يتوسمون فيه النباهة والفصاحة، قالوا لأمّه يمدحون قصره وبصره: ولدك هذا نصّه في الأرض، لكنه مكين، فطين، ويوازي عشرة، آخرون نعتوه كما سمعوا من الأولين: أن كل قصير بصير!
في البداية كان يعمل ما يعمله أترابه، ولا شيء زائد عليهم، يصحون فجراً يلتمسون رزقاً، يسرحون مثل الطير تغدو خماصاً، وتعود ثقالاً، لكن هناك شيئاً كان يميزه، تلك المبادرة، والسرعة والإصرار، لكنه في مدرسة المطوع جمعة كان من المتأخرين في ختم القرآن، وأمه لم تعمل له حتى «تومينة» مثل الآخرين، لكنه إذا تحدث تقول ريّال سافر وخاطر وجرّب الناس، كان يحب سوق العين والبريمي القديم أكثر من المدرسة، وحين غاب أبوه وهو صغير، اشتغل حَمّالياً في السوق، لكي يصرف على أمه، وحين لامه بعض الناس، خاصة أعمامه، قال لهم: في يوم بفتح أكبر «حفيز» في هالدار، استأمنه بعض التجار أن يقابل محلاتهم أو يحلّ مكانهم في غيابهم، ومع ذلك لم يتوانَ أن يعمل عتّالاً في السوق حين تضيق الأمور، لذا ما برح الناس يمدحون بطن تلك الأم التي أنجبت هذا الولد، قائلين: أسميها يوم يابت.. يابت!
كان وحيد أمه، وكانا يتعاونان على الحياة، لكنه حين قال لها في يوم: أماه.. صبري، تراني مسافر البحرين والحساء، أريد أرَيّل عمري، وأكدّ عليّ وعليك! لم تقل له غير كلمتين: روح.. ولا تغيب!
غادر أم سبع البلادين يحمل على كتفه زوادة، وتسعة عشر عاماً، وفي جيبه «ربابي» قليلة، سافر على «لنج خشب» يعمل بقوت يومه ونول سفرته، عمل في البداية حَمّالي في الفرضة، ثم عامل بناء يسوق الطابوق واللِبن، وبعد ثلاث سنوات وصل الحساء، وعمل في تجارة التمور، حتى قرّبه أحد «الهنجرية» وصاحب نخيل وأطيان حين رأى فيه الحركة والنباهة وطلاقة اللسان، وكيف يتساوى برجاحة العقل مع الرجال الذين أطول منه، ويبزّهم في مجالس الرجال، فعرض عليه المشاركة والمصاهرة بأي بنت يختارها من بناته العديدات، لأنه غدا أفضل من بعض عياله، ووحده من يكفيه «العبولة»، في التجارة وأمور الزراعة وحتى حاجيات البيت ومتطلبات الأسرة الكبيرة.
كان في البيت يجده قبله، ويسبقه في السوق، ولا ينسى أن يَلوف النخيل والمزارع، ويكفيه أمور العمال والصبيان، لذا انقبض قلبه حين طلب منه أن يسافر إلى ألمانيا ليجلب سيارات ترش الماء وتحرث وتصلح الأرض وتساوي بالرمل وتشحن الشيء الثقيل، لكنه أذعن لإصراره، وطلب شراكته، وسهل له بعض الأمور بعلاقاته ومعارفه.
حين وصلت تلك السيارات والجرارات و«فوزات» الماء، وسيارات النقل التي كانت قرابة الخمس عشرة معدة، وكانت الأولى في ذاك الزمن البعيد التي ترى وتجرب رمال المنطقة، وكان مثلها وصلت إلى فرضة أبوظبي القديمة، فاتحاً بها أكبر «حفيز».



إقرأ المزيد