جريدة الإتحاد - 4/29/2025 11:47:16 PM - GMT (+4 )

يصعب المبالغة في تقدير أهمية قضية الهجرة في دورة التصعيد الدستوري التي شهدتها الولايات المتحدة خلال السنوات الخمسة عشر الماضية. فقد شكّل قرار باراك أوباما أحادي الجانب عام 2014 بمنح العفو لملايين الأشخاص الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني بدايةَ عصر جديد من الرئاسة الاستقطابية القائمة على «القلم والهاتف» (قال أوباما إنه يخطط لاستخدام قلمه لتوقيع القرارات التنفيذية وهاتفه لدعوة مجموعات خارجية لدعم أجندته إذا ثبت أن الكونجرس غير قادر أو غير راغب في التصرف بشأن أولوياته)، مما أثار انتقادات قضائية وأسهم في دعم انتخاب دونالد ترامب عام 2016.
بعد ذلك، جاء تخفيف جو بايدن لإنفاذ قوانين الحدود، رداً على سياسات ترامب، ليقدم للرئيس الحالي القضيةَ الأساسية لعودته إلى السياسية. والآن، وبعد أربعة أشهر فقط من ولايته الثانية، يخوض ترامب أشد مواجهة بين الرئاسة والقضاء منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وبالطبع، تتعلق هذه المواجهة بالهجرة.
أجج ترامب هذه المواجهة بقراره تفعيل «قانون الأعداء الأجانب».
يمنح هذا القانون، الذي يعود تاريخه إلى عام 1798، الرئيسَ سلطاتٍ استثنائيةً لترحيل غير المواطنين من دون إجراءات قضائية في أوقات الحرب، وذلك من أجل إرسال مهاجرين إلى سجن في السلفادور. لقد جادلتُ بأن الحجج القانونية للإدارة واهية، وبأن هذا الترتيب برمّته متشدد للغاية. ومع استمرار المواجهة القضائية، بدأت الإدارة تتبنى ذريعةً جديدةً جديرة بالدراسة.
يقول بعضهم إن اليسار جعل من الهجرة مسألةً أحادية الاتجاه: بإمكان الرؤساء «الديمقراطيين» تعليق تدابير إنفاذ الحدود بشكل أحادي، بينما يتعين على الرؤساء «الجمهوريين» تجاوز العديد من العقبات لإلغاء النتائج المترتبة على ذلك. كتب ترامب الأسبوع الماضي، معزِّزاً حجةً تلقى صدى واسعاً لدى اليمين: «كيف يمكن لبايدن أن يسمح بدخول ملايين المجرمين إلى بلادنا من دون تفتيش أو تحقق وبلا أي سلطة قانونية، بينما يُتوقع مني، للتعويض عن هذا الاعتداء على أمتنا، أن أخضع لعملية قانونية مطولة لكل مجرم أجنبي على حدة؟».
وهناك تفاوت كبير بين هذا الادعاء السياسي الجمهوري وبين النزاع القضائي الذي يسعى لتبريره. فالمعركة حول الإجراءات القانونية بين إدارة ترامب والمحكمة العليا تتعلق أساساً بقانون الأعداء الأجانب، حيث أوقفت المحكمة العليا البيت الأبيض هذا الشهر بقرار يقضي بأن المهاجرين الأفراد المشمولين بالقانون القديم يحق لهم الحصول على جلسة استماع (وهو ما يندد به ترامب باعتباره «عملية قانونية طويلة»).
ومع ذلك، فالمهاجرون المتأثرون بهذا النزاع هم فقط الفنزويليون الذين تزعم الإدارة أنهم أعضاء في عصابة «ترين دي أراواجوا» التي تضم أكثر من 5000 عضو. ولم تحدد وزارة الأمن الداخلي عدد الأعضاء الموجودين في الولايات المتحدة، لذا فإن تقدير صحيفة «نيويورك بوست» لعام 2024، والبالغ 600 عضو، يعتبر أفضل تقدير متاح.
لقد خاض ترامب حرباً مع القضاء بسبب 137 عمليةَ ترحيل نفذتها إدارته الشهر الماضي بموجب قانون الأعداء الأجانب، وعدد قليل آخر تم السعي لتنفيذه هذا الشهر، وقد أوقفتهم المحكمة العليا بأمر استثنائي في منتصف الليل. هذا الرقم يُعد نقطة في بحر مقارنةً بأكثر من 100 ألف عملية ترحيل قالت إدارة ترامب لمجلة «نيوزويك» إنها نفذتها بحلول بداية أبريل.
وقد بلغ أكبر عدد من الأشخاص الذين رحلتهم إدارة ترامب الأولى في سنة مالية واحدة 347 ألفاً، وذلك وفقاً لبيانات وزارة الأمن الداخلي، وهذه المرة يبدو البيت الأبيض أكثر طموحاً. لكن مهما كان الرقم المستهدف، فإن عدد السكان الذين يشملهم قانون التقييم البيئي هو مجرد خطأ تقريبي.
خلال إدارة أوباما، بلغ أعلى عدد من عمليات الترحيل نحو 432 ألفاً في سنة مالية واحدة. وإذا كان الهدف هو تسريع الترحيلات إلى معدلات تفوق بكثير تلك التي سجلتها الإدارات السابقة، حيث يقول نائب الرئيس جي دي فانس إن المراد «ترحيل بضعة ملايين من الأشخاص سنوياً»، بينما المعركة حول قانون الأعداء الأجانب هي مجرد تشتيت للانتباه.
وبدلاً من ذلك، سيحتاج الكونجرس إلى تعديل «قانون الهجرة والجنسية». ويمكن للمشرعين تمويل المزيد من مرافق الاحتجاز، وتعيين المزيد من القضاة المختصين بالهجرة، لتسريع البت في القضايا. كما يمكنهم رفع معايير الأدلة المطلوبة من المهاجرين للحصول على إعفاء من الترحيل، كطلب اللجوء أو الحماية من الإبعاد، والحد من الطعون.
إن تعديل الإجراءات القانونية المتاحة للمهاجرين لزيادة أو تقليل وتيرة الترحيل هو نهج شرعي، لكن الكونجرس وحده يملك سلطةَ تغيير القانون. وقد استجاب خلال إدارة كلينتون لموجة المشاعر المناهضة للجريمة من خلال تقليص بعض الضمانات الإجرائية للمدعى عليهم الجنائيين عبر «قانون مكافحة الإرهاب وعقوبة الإعدام الفيدرالية لعام 1996». ويجادل ترامب اليوم بالمثل، بأن هناك مبالغة في توفير الإجراءات للمهاجرين، لكن من دون الدفع بتشريع داعم لذلك.
كان من أكثر العبارات التي نالت استحساناً في خطاب ترامب أمام الكونجرس، مارس الماضي، قوله بأنه «أمّن الحدود من دون الحاجة لتشريع جديد». وأضاف: «كان الإعلام وأصدقاؤنا في الحزب الديمقراطي يرددون أننا بحاجة إلى تشريعات جديدة. لكن تبيّن أنَّ كل ما احتجنا إليه هو رئيس جديد». وكان محقاً في ذلك: فسياسات ترامب تسببت بسرعة في تراجع حاد في أعداد العبور غير القانوني للحدود، وهو على الأرجح أكثر إنجازاته شعبيةً.
لكن إذا كان ترامب يريد ترحيل ملايين المهاجرين الموجودين داخل البلاد، فهو بحاجة فعلية إلى تشريعات جديدة. يمكن لليمين أن يشتكي من عدم التكافؤ، أي من عدم وجود حاجة لتشريع لتشجيع الهجرة غير الشرعية. لكن هذه ببساطة هي طبيعة الأمور: تنفيذ بعض الأمور أسهل من التراجع عنها، وكذلك عمليات الترحيل الجماعي فهي معقدة إدارياً، ومكلفة للغاية، وعلى الأرجح لا تحظى بشعبية بما يكفي لعدم إمكان تنفيذها بقرار رئاسي منفرد.
إذا كان ترامب جاداً في قوله بضرورة تقليص الإجراءات القانونية الخاصة بالهجرة، لعكس تأثير سياسات بايدن في هذا المجال، فعليه أن يطرح هذه الحجة على ممثلي الشعب في الكونجرس. أما خلاف ذلك، فإن الشكاوى حول تفوق اليسار في موضوع الهجرة فتبدو وكأنها تهدف إلى رفع حرارة النقاش السياسي، أكثر من كونها تسعى حقاً لتغيير سياسة الهجرة والتغلب على المحكمة العليا.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
جيسون ويليك*
*كاتب مختص في الشؤون القانونية والسياسة الخارجية
إقرأ المزيد