جريدة الإتحاد - 4/29/2025 11:52:32 PM - GMT (+4 )

لم يعُد التعليم مجرد وسيلة لاكتساب المهارات الأساسية والتقليدية؛ بل غَدَا عنصراً فاعلاً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتعزيز تنافسية أي مجتمع من المجتمعات؛ إذ أصبح ركيزة أساسية في بناء اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد على إنتاج المعرفة بصفتها مرتكزاً رئيسيّاً للتطور والنمو؛ ما دفع الدول إلى الاستثمار في الأنظمة التعليمية الحديثة التي تعزز تحقيق التطور المستدام.
في الماضي كانت القوة الاقتصادية لأي دولة تعتمد على الموارد الطبيعية، أو الصناعة. أمَّا اليوم فيعتمد اقتصاد المعرفة على جعل المعرفة قيمةً اقتصاديةً عن طريق الابتكار والإبداع في المجالات كافةً، وخاصةً مجالي التكنولوجيا والعلوم؛ وهنا تتجلى حقيقة أن الإنسان هو المورد الحقيقي لهذا الاقتصاد؛ فالمعرفة تنشأ من الذكاء البشري، والقدرة على تطوير الأفكار؛ ما يؤكد أهمية التعليم القادر على بناء عقول ناقدة ومبدعة تتجاوز النمطية، وتسهم في إثراء الرصيد المعرفي للإنسانية.
ويستمدُّ الإنتاج المعرفي زخمه من البحث العلمي الجاد الذي يسعى إلى حل المشكلات، ويحتاج دعم المعرفة والبحث العلمي إلى عقول ناقدة صقلتها سنوات التعليم الأساسي؛ وهذا يعني أن هناك بناءً هرمياً لصناعة العقل البشري من أجل الوصول إلى المعرفة التي تصنع قوة الاقتصاد المعرفي بالدولة.
واستنادًا إلى ما تقدم يتضح أن التعليم المستمر أصبح ضرورة حيوية في بنية اقتصاد المعرفة؛ إذ لم تعُد الشهادة الجامعية نهاية الرحلة التعليمية، بل مرحلة ضمن مسار متواصل؛ فمع نمو اقتصاد المعرفة، وزيادة الحاجة إلى البحث العلمي، وتغير مفاهيم سوق العمل، وتسارع التقدم التكنولوجي، أصبح التعلم المستمر هو الضمانة الأساسية لمواصلة الفرد التطور، والنمو، والابتكار، وصناعة المعرفة؛ ومن ثمَّ استمرار حركة المجتمع في التطور والنمو، وتحقيق أهدافه الاستراتيجية.
وما بين منظومتي التعليم والتعلم تستمر رحلة التحدي من أجل تحقيق التطور، وبرغم التحولات المتسارعة، فإن اقتصاد المعرفة يواجه تحديات عدَّة، من أبرزها ضرورة التحديث المستمر لأنظمة التعليم، وضمان مواكبتها التطورات التكنولوجية والمعرفية للحضارة الإنسانية بالقدر نفسه من التسارع المستمر. كما أن البحث العلمي يحتاج إلى دعم دائم ومتنامٍ من أجل تحقيق معدلات إنتاج معرفي تعزز مكانة الدولة في دفع عجلة اقتصاد المعرفة نحو المستقبل.
ولا يقتصر دعم البحث العلمي على جهود الدولة فقط، بل يتطلب أيضاً تحفيز القطاع الخاص للاستثمار فيه؛ وذلك بمنح المؤسسات الخاصة التي تستثمر في البحث العلمي امتيازات اقتصادية. ويجب أن يتحول مفهوم التعليم المستمر والإنتاج المعرفي محركاً رئيسيّاً للأفراد والمؤسسات الاقتصادية، فضلًا عن جهود الدولة المتنامية في هذا المجال.
وفي الختام لا بدَّ من إدراك أن التعليم والتعلم المستمر يمثلان ركيزتين متلازمتين لدفع عجلة التطور والنمو المعرفي والاقتصادي والمجتمعي، وهما الأساس لبناء اقتصاد المعرفة، وكلما كان التعليم أكثر حيوية ومرونة ازدادت قدرة المجتمع على التكيف مع التحولات المتسارعة؛ ولذلك يبقى التعليم والتعلم المستمر هما الجواد الكاسب لرهان التقدم والتطور والنمو، والتحول إلى دولة منتجة للمعرفة، وفاعلة في بناء اقتصادها المعرفي.
*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذة زائرة في كليات التقنية العليا للطالبات، أستاذة زائرة في جامعة الإمارات العربية المتحدة
إقرأ المزيد