جريدة الإتحاد - 7/12/2025 12:26:03 AM - GMT (+4 )

أنهت الأسواق المالية النصف الأول من العام الحالي، على وقع تقلبات شديدة، أبرزها تراجع مؤشر «إس آند بي 500»، بنسبة 19 في المئة من ذروته، قبل أن يستعيد خسائره، ويغلق عند مستوى قياسي جديد، بعد انتعاش في أعقاب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.
وسجل الدولار تراجعاً بنسبة 11 في المئة، وهو أسوأ أداء نصف سنوي له منذ عام 1973. أما بالنسبة لليورو الذي بدأ يستعيد قوته في «خضم» صحوة أوروبية، فقد ارتفع بنسبة 13.8 في المئة متجاوزاً 1.18 دولار، ليبلغ أقوى مستوى له أمام الدولار منذ سبتمبر2021، مستفيداً من الخطط المالية التوسعية غير المسبوقة التي أعلنتها ألمانيا في تعزيز ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأوروبي، وسط إشارات إلى أن «القارة العجوز»، بدأت أخيراً تتجاوز سنوات الركود، مما جعل اليورو أكثر جاذبية كعملة احتياط.
وفي الوقت الذي تطرح فيه تساؤلات حول مدى قدرة الدولار على الاستمرار طويلاً في موقعه الدولي مسيطراً على حركة النقد العالمية، تجد كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي في ضغوط ترامب التجارية فرصة للدول الأوروبية للملمة قواها وإعادة ترتيب بيتها الداخلي لتعزيز قدراتها الاقتصادية وقوة عملتها. بل ذهبت أبعد من ذلك، معتبرة أن أمام اليورو فرصة لأخذ مكانة الدولار في التجارة الدولية. ولكنها تشدد على أن «قيمة اليورو تعتمد إلى حد كبير على قوة اقتصادنا، وعلينا أن نجعله أقوى». ودعت القادة السياسيين وصانعي السياسات في الاتحاد الأوروبي «لتحفيز النمو وتقوية الأسس الاقتصادية، إذا أرادوا أن يرتقي اليورو إلى مصاف الدولار الأميركي».
مع العلم أن الفرق كبير بين حصة الدولار في احتياطات البنوك المركزية العالمية البالغة 58 في المئة، مقابل 20 في المئة لليورو، ونحو 22 في المئة لبقية العملات الأخرى، ومنها اليوان الصيني، والجنيه الإسترليني، والين الياباني.
لقد كانت أوروبا منذ عشرين سنة، متساوية مع الولايات المتحدة في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 14 تريليون دولار، لكنها أصبحت اليوم تمثل نحو 55 في المئة من حجم أميركا اقتصادياً، وأقل من17 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي. وهي تدخل حرباً تجارية وديبلوماسية غير متكافئة، سببها الأميركي المعلن، معالجة العجز التجاري، وهدفها الباطني بناء تحالفات جديدة مع قوى صاعدة من الجنوب، بعد بداية أفول قوة أوروبا.
ورغم مرور 80 عاماً على قيام السوق الأوروبية المشتركة، وإحراز الاتحاد الأوروبي تقدماً كبيراً في تحرير التجارة، فإن «السوق الموحدة» غير مكتملة، وإمكاناتها الاقتصادية تحدها حواجز مستمرة، حتى إن التحرك نحو شكل مشترك من أشكال السيادة الاقتصادية والسياسية، ليس سهلاً، لذلك يطلق على هذه السوق دوماً أنها «عمل قيد الإنجاز».
ولتسريع هذا الإنجاز أوصى صندوق النقد الدولي بأربع أولويات، أولاً، خفض التجزؤ التنظيمي الذي يوفر إطاراً موحداً لتأسيس الشركات، ثانياً، تسريع اتحاد أسواق رأس المال واستكمال اتحاد البنوك، ثالثاً، تعزيز التنقل العمالي الأوروبي، رابعاً، تحقيق تكامل سوق الطاقة.
تبقى الإشارة إلى أن القلق الأوروبي، ليس اقتصادياً فقط، بل عسكرياً أيضاً، لأن القارة تفتقر إلى القوة العسكرية، والقدرة الإنفاقية الحربية، وهي تواجه اليوم صعوبات في إنفاق 3 في المئة من ناتجها الإجمالي على المجهود الحربي، فكيف يمكن لها أن تنفذ قراراً اتخذته قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» الذي يضم 32 دولة، في اجتماعها الأخير في لاهاي برفع النسبة إلى 5 في المئة بحلول عام 2035؟.. وقد وصف ترامب هذا القرار بأنه «انتصار عظيم للولايات المتحدة».
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.
إقرأ المزيد