الهند.. دلالات الانفتاح على الصين وروسيا
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 كان لدى الهند والصين وروسيا في السابق إطار تعاون يُعرف باسم «RIC»، وهو اختصار لتجمع يضم هذه الدول الثلاث. لكن هذا التجمع توقف تدريجياً عن النشاط مع ظهور تجمعات أكبر. واليوم، تجد الدول الثلاث أرضية مشتركة متزايدة وسط سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب غير المتوقعة.

ورغم أن إحياء مجموعة «RIC» قد لا يحدث في المستقبل القريب، إلا أن هناك حركة دبلوماسية نشطة بين الدول الثلاث. فقد زار وزير الخارجية الصيني «وانج يي» الهند هذا الأسبوع لإجراء محادثات خاصة حول قضية الحدود. والتقى بوزير الخارجية الهندي «سوبرامانيام جايشانكار»، ومستشار الأمن القومي «أجيت دوفال»، والأهم من ذلك مع رئيس الوزراء «ناريندرا مودي». وجاءت زيارة الوزير الصيني في وقت تسعى فيه الهند والصين إلى إصلاح العلاقات التي توترت عقب النزاع الحدودي عام 2020، وإعادة العلاقة إلى مسار مستقر.
خلال لقائه بوزير الخارجية الصيني، رحّب مودي بالتقدم الإيجابي والمطرد في العلاقات الثنائية منذ لقائه بالرئيس الصيني «شي جين بينج» خلال قمة قازان، وأكد مجدداً على التزام الهند بالتوصل إلى حل عادل ومعقول ومقبول للطرفين بشأن قضية الحدود. كما ناقشت الهند والصين فتح التجارة في المعادن النادرة والأسمدة، واتخاذ تدابير لتعزيز الثقة على طول الحدود، بما يعزز الزخم الإيجابي في العلاقات. ووعدت الصين بدراسة طلب الهند لتخفيف قيود تصدير الأسمدة والمعادن النادرة وآلات حفر الأنفاق. ونظراً لأن الصين توفر أكثر من 60% من إمدادات العالم من مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، فقد أثّرت قيود تصديرها سلباً على الصناعات الإلكترونية وصناعة السيارات في الهند. وتعاني الهند من نقص وارتفاع في الأسعار بسبب هذه القيود، خاصة في الأسمدة، في حين أن معدات حفر الأنفاق ضرورية لمشاريع البنية التحتية، بما في ذلك خطط الهند لتوسيع شبكة القطارات فائقة السرعة. وفيما يتعلق بالحدود، قررت الدولتان إعادة فتح ثلاثة ممرات تجارية في جبال الهيمالايا بعد خمس سنوات.

وكان وزير الخارجية الهندي جايشانكار قد زار الصين الشهر الماضي، وأجرى محادثات مثمرة حول التجارة، والتواصل بين الشعوب، وتبادل بيانات الأنهار، والربط الإقليمي، والقضايا العالمية والإقليمية. وبينما أكد على أهمية محادثات الحدود، قال إن العلاقات يجب أن تستند إلى «ثلاثة مبادئ مشتركة: الاحترام المتبادل، والحساسية المتبادلة، والمصلحة المشتركة».

تأتي هذه الزيارات رفيعة المستوى في وقت تتدهور فيه العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. فقد أعرب الرئيس ترامب عن استيائه من رفض الهند السماح بدخول غير مقيّد للسلع والمنتجات الأميركية إلى السوق الهندية، ومن علاقاتها في مجال الطاقة والدفاع مع روسيا. ومن نقاط الخلاف الأخرى استمرار الهند في نفي تصريحات ترامب بأنه توسط لوقف إطلاق النار بين باكستان والهند بعد صراع عسكري استمر أربعة أيام، وهو ما تنفيه الهند.

تُعد الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للهند، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية 131.84 مليار دولار في عام 2024-2025، تليها الصين بقيمة 127.7 مليار دولار. إلا أن الهند تعاني من عجز في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، لكن علاقاتها التجارية مع الصين تتمتع بفائض. وفي ظل حالة عدم اليقين، تحركت الهند بحذر لتعزيز علاقاتها مع الصين، ثاني أكبر شريك تجاري لها بعد الولايات المتحدة.

ومن المقرر أن يزور رئيس الوزراء ناريندرا مودي الصين نهاية هذا الشهر لحضور اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون. كما زار وزير الخارجية الهندي روسيا هذا الأسبوع لإجراء محادثات ثنائية. وأشاد الجانبان بالعلاقات التاريخية بين البلدين التي تعود إلى عصر الحرب الباردة عندما كانا حليفين. ولكن على مدى العقود الماضية، توطدت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة. وأعرب الدكتور جايشانكار عن تقديره لروسيا لدعمها أهداف «صنع في الهند» الهندية من خلال الإنتاج المشترك ونقل التكنولوجيا. وأكد أن البلدين «كانا من أكثر العلاقات استقراراً في العالم بعد الحرب العالمية الثانية».

ورغم تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات، شدّد البلدان على أهمية الحفاظ على التعاون في مجال الطاقة من خلال التجارة والاستثمارات. كما تحظى الهند وروسيا بعلاقات وثيقة في مجال الدفاع. ورغم سعي الهند إلى تنويع مصادر أسلحتها، لا تزال روسيا أكبر مزود للأسلحة للهند. وتشكل الطائرات والدبابات وأنظمة الصواريخ الروسية ركائز أساسية في ترسانة الجيش الهندي، ما يبرز أهمية استمرار إمدادات المعدات الدفاعية وقطع الغيار.

ومن المقرر أن يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهند في وقت لاحق هذا العام لحضور القمة الهندية الروسية. وبينما تظل الولايات المتحدة أهم شريك للهند، فإن تحركها لتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا هو رد فعل على التوترات الجيوسياسية المستمرة، ويتساءل المحللون السياسيون المتخصصون في العلاقات الهندية الأميركية عما إذا كان تحسن علاقات الهند مع روسيا والصين يعكس فترة من إعادة التقييم الاستراتيجي أم تحولاً سياسياً كاملاً؟ لكن الأمر الواضح هو أن الهند ستتخذ موقفاً يضمن حماية أمنها القومي.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي



إقرأ المزيد