جريدة الإتحاد - 11/9/2025 11:46:34 PM - GMT (+4 )
تُواصل «أعوامُ الإمارات» -التي هي خصوصية إماراتية- مسيرتَها المتألقة، ورسالتَها المتجددة، وفي بحر هذا الأسبوع، في الاجتماعات السنوية لدولة الإمارات، التي تلتقي فيها الأفكار الصادقة، والإبداعات الهادفة؛ لتصميم مستقبل المجتمع الإماراتي، وجَّهَ سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، بتخصيص 2026 ليكون «عام الأسرة» تأكيداً على مكانتها وأهميتها في الحاضر والمستقبل.
إن أول ما نستلهمه من هذا التوجه المبارك هو أن قيادة هذا الوطن المعطاء تولي شؤونَ مواطنيها عناية فائقة، وتستشرف مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وتخطط بلا كلل ولا ملل لصون إرثه وهويته وثقافته، وحماية أجياله، وكما ترعى الحاضر، فإنها تحمل همّ الأجداد والأحفاد بذات القدر والاهتمام، وتضع الشباب في صميم أولوياتها. وتأتي سعادة المجتمع ونموه في صدارة أولويات صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وهو صاحب الرؤية الثاقبة، والتوجيهات الرشيدة، والنظر العميق.
وليس أدلّ على ذلك من الانتقال المتناغم من «عام المجتمع» إلى «عام الأسرة»، في دوائر منسجمة وحلقات متناسقة، فالأسرة هي قلب المجتمع، ونواته الصلبة، وهي أساس الدول، كما قال المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه: «الأسرة هي أساس المجتمع». فالأسرة، حين تُذكر، تُستحضر معها الأمهات والآباء، والأطفال، وكبار المواطنين (المبروكين)، وقضايا الزواج والإنجاب، والنمو والاستقرار والتماسك، وكل ما يتطلب التنشئة، والرعاية، والامتداد.
إذ إنَّ الأسرة، في جذرها اللغوي، تُحيل إلى معاني الإمساك والربط والشدة، لما تقتضيه من التزام وتماسك، فهي الدرع الحصينة، واللبنة الأولى، فمن البيت تنبثق الأشجار المثمرة، وتزهر الأزهار المضيئة، ليزدهر بها الوطن، وتشتد بها دعائمه، ويستدام بها عطاؤه وقوته. إن الأسرة أمتن استثمار للمستقبل، وأوضح رؤية للآفاق البعيدة؛ لأن الأسرة هي القيم، وهي الهوية والجذور، وهي المستقبل.
فـ«عام الأسرة» ليس شعاراً عابراً، بل هو رؤية استراتيجية، ومسار وطني يبدأ من كل فرد، وينطلق من كل بيت، عام نبني فيه البنيان المرصوص، ونستحضر ما علينا من مسؤوليات تجاه الوطن، ونرجع إلى دفء الأسرة وحضنها، حيث تُصان القيم.
عام نستثمر فيه ما وصلتْه العلوم والتقنيات الحديثة لتجاوز تحديات الأسرة، ونغرس في بيوتنا قيم الأسرة الأصيلة: التماسك، والتضامن، والمودة، والمحبة، والانتماء؛ فلأجل هذه الغايات حفل القرآن بتلك المعاني، وجلاها في سير الأنبياء، في حرصهم على الذرية الطيبة، حتى غدت العائلة من مقاصد الأديان الكبرى، ومن ضرورات الحضارة الإنسانية.
إنه عام لإيقاظ الوعي، واستنهاض المسؤولية المشتركة، وفي أفياء التحولات العالمية والانفتاح الثقافي، وعلى قاعدة صلبة من الإرث الوطني المترع بالقيم، تبرز «الأسرة الإماراتية» نموذجاً فريداً للأسرة الممتدة الكبيرة المتماسكة، التي ما زالت تجذب الشباب وتلهمهم، وتُلقي على عاتقهم مسؤولية صونها، لتمدهم بحنان الأم، وتحفهم بحكمة الأجداد، وتضمن سلامة الأحفاد.
وانطلاقاً من هذا التوجه الوطني العظيم، فإنه من الواجب أن نرفع أسمى آيات الشكر والتقدير إلى قيادتنا الحكيمة، التي جعلت الأسرة في صميم الأجندة الوطنية، امتداداً لنهج الوالد المؤسس الشيخ زايد، وتفعيلاً للمبادرات الرائدة التي ترعاها سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، حفظها الله، في ترسيخ مكانة الأسرة وتعزيز دورها.
ومن هنا، فإن المسؤولية لا تنحصر في جهة بعينها، بل تتطلب تضافر الجهود من كل فرد ومن كل أسرة، ومن كل مؤسسة، سواء كانت أسرية أو تعليمية أو دينية، أو إعلامية أو ثقافية أو اجتماعية، لتنهض بدورها في ترسيخ مجتمع متماسك، فكل مولود جديد يولد في هذا الوطن هو إسهام يقيني في رفعته، وقوة بنيانه، وامتداد لازدهاره.
*رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة.
إقرأ المزيد


