جريدة الإتحاد - 11/10/2025 12:23:18 AM - GMT (+4 )
كنتُ دائماً أبحث عن الفروقات اللغوية في المعاني التي تلتصق بتعابير ومصطلحات متقاربة، وعندما أعلنت القيادة الرشيدة عن عام الأسرة قررتُ البحث في ثنايا اللغة العربية عن عناصر التقارب بين الأسرة والعائلة والأهل والعرب والناس والقوم والعشيرة. في لسان العرب يقول ابن منظور: (السِّرُّ: من الأمور التي تكتم وما أَخْفَيْتَ، والجمع أَسرار. أما أُسرةُ الرجل فهي عشيرتُه ورهطُهُ الأدْنَوْنَ، لأنه يتقوى بهم، والأُسرةُ: عشيرةُ الرجل وأهلُ بيته. السَّرْوُ: المُروءَةُ والشَّرَفُ بل هو السَّروُ سَخاءٌ في مُرُوءَةٍ).
ومن مستخلصات الكلمة الأَسْرُ: الْقُوَّةُ وَالْحَبْسُ، وتأتي هنا في محلّها، فالأسرة تحبسك في بيئتها لتُخرجك ذرباً متدرباً على الذكاء الأخلاقي والعاطفي في آنٍ واحد، فيتلفظ المرء بالألفاظ الإيجابية الخلاقة، ويتصرّف بجمالِ أهله وناسه. الأهل، أي سكان البيت. وعائلة الرجل تتكون من عِيَالُه وعَيِّلُه مِن الَّذِينَ يَتَكفَّلُ بِهِمْ، والعرب هم النَّاسِ، يطلق عليهم عَرَبٌ وأَعْرابٌ، والقَوْمُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعاً، وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ، أما العشيرة فهي كلمة تعكس قوة التعايش والمودة والتراحم بين الناس، وتتألف من مجموعة تربطهم روابط مشتركة منها قرابة الدم والمصاهرة.
في الجلسة الأسبوعية الأخيرة، سألت إحدى الشابات: «خالوه عموه، باقول لك شيء (هكذا هي مقدمات هذا الجيل)، في أحد البرامج الاجتماعية تنمّر شخصٌ على آخر وتفاقم الوضع حتى وصل إلى نعت الأب والأم بما لم أسمعه من قبل، ترى هل من حق صاحب الصوت العالي أن يتمادى إلى ذلك الحد؟ كما أود أن أعرف ماذا كان يقصد بكلمة...؟»، فقلت لها: «عزيزتي فلانة، هذا تصرّف مشين وهذه كلمات لم نسمعها من قبل فكيف لي وصفها؟ على العموم، ما الذي يجعل المرء متابعاً لمثل هذه الزوابع المقيتة؟ للوقت أهمية كبيرة وعلينا استثماره في خدمة الوطن ورفع عَلَمه عالياً، أليس كذلك؟». قالت: «والله عيب، وحرام بعد، شو يخص الأم والأبو في حوار أشخاص ما يعرفون بعض حتى؟! فقلت لها: «أحياناً الحب يطلع على بذرة وأحياناً السمكة الخايسة تخيس السمك كله.. والذكي يختار إلى أي فئة ينتمي». ويبدو أنها أدركت مبتغاي فقامت تصب القهوة وتنتظر الفنجان الثالث الذي لا رابع له.
للعارفين أقول: حفظ الله دولتنا وولاة أمرنا ونشكرهم على عام الأسرة الذي سيرفع من أهمية الترابط الأُسري، ونقل الموروث والقيم الأخلاقية الإيجابية، فلولا الأسرة وجمعة الأهل لما نلنا شرف توجيه هذا الجيل ولساروا في مسارات الآخرين. لا تدهشنا مبادرات دولتنا، بل تذهلنا، فدقة اختيار الكلمة تجعلنا أسرى أُسَرِنا، وفي حب الوطن روح نهبها طوعاً لخدمتهم، وحفظ تراب أهلنا وناسنا.
إقرأ المزيد


