الإمارات اليوم - 12/16/2025 1:36:29 AM - GMT (+4 )
يطرح التطور الكبير، الذي يشهده العالم في مجال التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، وتدخلها في مختلف القطاعات، حتى في تفاصيل الحياة اليومية للأفراد وأسلوب حياتهم، العديد من التساؤلات حول تأثيره في علاقة المجتمع، خصوصاً الأجيال الجديدة بتراثهم، وهل يمكن أن تكون هذه التقنيات مصدر تهديد لتلك العلاقة، أم أدوات لتمكين التراث وتطوير أشكال حضوره في المجتمع؟
واعتبرت الخبيرة التربوية في وزارة التربية والتعليم، الدكتورة مريم النيادي، أن التراث والعادات والتقاليد هي مكونات رئيسة في الشخصية الإماراتية وكذلك في الشخصية العامة للمجتمع، لذا ستظل باقية وحاضرة في ظل التطور، لأنها جزء من الممارسات والعادات التي يتوارثها أفراد المجتمع جيلاً بعد آخر، مثل التجمعات الأسرية في نهاية الأسبوع، مشيرة إلى أن أفراد العائلة يتجمعون معاً من مختلف الأعمار، ويتشاركون في إعداد الوجبات التراثية التي اعتاد الآباء والأجداد تناولها، وخلال هذه التجمعات يتعلم الصغار من الكبار السنع والتقاليد الأصيلة التي تمثل أصول التعامل بين أفراد المجتمع، إلى جانب التمسك بالزي الوطني خاصة في المناسبات الدينية والاجتماعية والأعراس وغيرها، وحتى اللهجة الخاصة بكل منطقة، وهذا لا يتعارض مع أن يلتحق الأبناء بأفضل الجامعات العالمية ويتقنوا لغات مختلفة.
وأضافت الدكتورة مريم لـ«الإمارات اليوم»: «رغم التطور الكبير الذي تشهده الإمارات في كل المجالات، فإن هذا لا يتقاطع مع التمسك بالعادات، ولا يمثل تهديداً للهوية الوطنية لأننا نتعامل مع الموروث باعتباره جزءاً من الحياة اليومية ويتجدد معها وليس شيئاً قديماً لا يذكر إلا في مناسبات محددة، وهذا الحرص على التمسك بالتراث وتكريسه في نفوس الكبار والصغار، الذي تتميز به الإمارات سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، جعل المقيمين فيها من مختلف الجنسيات يتعرفون على هذا التراث ويحرصون على تعلمه وممارسته في كثير من المواقف والمناسبات، ما يدل على تجذره في المجتمع».
توظيف
واتفقت المستشارة التراثية، حليمة العلوي، مع الدكتورة مريم في الرأي، مشددة على أن تماسك الأسرة يعزز حضور الموروث، فحسب العادات تكون البنت دائماً قريبة من الأم فتتعلم منها العادات والأكلات التراثية والاعتزاز بالزي التقليدي، كما يتعلم الولد من أبيه تصرفات الرجال من الترحيب بالضيف وإكرامه، والسنع، وآداب المجلس التي تميز الثقافة الإماراتية بشكل عام.
وأضافت: «يتميز مجتمع الإمارات بأن عاداته جزء من حياته اليومية، وحتى مع تطور أسلوب الحياة في المجتمع، يتطور تعاطينا مع مفردات التراث، وهو ما يمكن أن نطلق عليه تمكين الموروث، كما نشاهد في توظيف الحرف اليدوية التراثية والأكلات الشعبية التقليدية والمحلى التراثية في مشاريع ذات طابع عصري يطلقها أبناء الوطن من فتيات وشباب وتحقق نجاحاً كبيراً داخل الدولة وخارجها، كذلك اتجاه الكثير من فتياتنا لتعلم التلي والسدو واستخدامه في منتجات عصرية باستخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها»، لافتة إلى أن الدولة تبذل جهوداً كبيرة لدعم هذا التوجه لدى الأجيال الجديدة ولحفظ وصون التراث وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في هذا السياق.
كيفية الجذب
من جهته، رأى رئيس قسم تطوير المحتوى التعليمي في دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، الدكتور موسى الهواري، أن من أبرز التحديات التي تواجه الجهات المسؤولة عن المحتوى الثقافي والتراثي وتطويره هو كيفية جذب الأجيال الحالية والتي جل اهتمامها استخدام التقنية الحديثة، وتحقيق هذا الأمر يحتاج إلى استراتيجية للوصول لهذه الأجيال عبر استخدام الأدوات التي يتقنونها، مثل الذكاء الاصطناعي وغيره.
وأضاف: «نعمل في إدارة التعليم في دائرة الثقافة والسياحة على توظيف التقنيات الحديثة للوصول إلى الأجيال الجديدة مثل استخدام تقنية الصور ثلاثية الأبعاد (ثري دي) عبر المنصات الثقافية والمنصات الإعلامية التي يوفرها قطاع الثقافة في الدائرة، كما يوفر القطاع منصة تعليمية تسلط الضوء على أكثر من 34 عنصراً للتراث والثقافة الإماراتية، لاسيما أن نصف هذه العناصر مدرجة في (اليونسكو)، وهذه المنصات أصبحت تستخدم الآن في وزارة التربية وتم ربطها بالمناهج».
وأوضح الدكتور موسى أن الدائرة لديها أدوات متكاملة في ما يتعلق بالمنصات التعليمية التي تسلط الضوء على الثقافة والتراث الإماراتيين، وتقدمهما بمفهوم جديد وأدوات جديدة تصل للنشء بأساليب مبتكرة تربط ما بين المعلومة العميقة والأسلوب المبسط، بما يعزز المعرفة والوعي بالتراث الثقافي الإماراتي سواء لأبناء الإمارات أو للمقيمين أو حتى للزوار من مختلف الجنسيات، إذ تقدم الدائرة أدوات تعليمية لتعزيز المعرفة بالثقافة المحلية باللغات الإنجليزية والصينية والكورية واليابانية، إلى جانب الدور الذي تقوم به السفارات خارج الدولة في التعريف بالثقافة والتراث الإماراتيين.
وكشف عن توجه الدائرة لإنتاج منتج يسلط الضوء على الثقافة والتراث الإماراتيين عبر التقنيات الحديثة، ومنها مشروع يقوم على استخدام الألعاب الشعبية في هذا السياق، حيث يجد الطالب نفسه داخل لعبة للصقارة أو غيرها من الألعاب التراثية، ومن خلال اللعب يتعرف على كل ما يرتبط بهذا المجال من معلومات تاريخية وعادات وتقاليد، مؤكداً أن حفظ التراث ونقله للأجيال الجديدة هو جهد مجتمعي لا يمكن أن تقوم به جهة واحدة، حيث يجب أن تكون هناك استراتيجية وطنية على مستوى الدولة، وهذا هو توجّه دولة الإمارات التي تحرص على مواكبة تطورات العصر وفي الوقت نفسه الحفاظ على الأصالة.
أخلاقيات
فيما تطرقت مديرة وحدة توثيق وتحليل البيانات بدائرة الثقافة والسياحة، الدكتورة أونا فيليكسيس، إلى تأثير التقنيات الحديثة على شخصية الفرد في المستقبل وعاداته، وكيف سينعكس هذا الأمر على علاقته بالتراث، وضربت مثلاً على ذلك بأن الحكايات الشعبية والتي تمثل جزءاً مهماً من المورث الشعبي لكل مجتمع، ترتبط بشكل مباشر بقدرة الإنسان على الحكي وتحويل خياله وأفكاره إلى قصص من المجتمع، بينما يمكن أن تتراجع هذه القدرة لدى الأجيال الجديدة نظراً لارتباطها بالأجهزة الحديثة وقضاء وقت طويل أمام الشاشات في صمت، داعية إلى دراسة هذه الجوانب المختلفة.
وتحدثت عن القواعد الأخلاقية المنظمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة بشكل عام في مجال التراث، وهي قواعد عالمية وُضعت لتضمن حرية الحصول على المعلومات وإتاحتها للجميع، وكذلك تحري الدقة والمصداقية وغيرها.
مزيد من المعلومات
دعت مديرة وحدة توثيق وتحليل البيانات بدائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، الدكتورة أونا فيليكسيس، إلى توفير مزيد من المعلومات باللغة العربية على الإنترنت، في ما يتعلق بالثقافة الشعبية والتراث الإماراتيين حتى يستعين بها الذكاء الاصطناعي في تقديم مادة دقيقة، إذ إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد خوارزميات، فإذا لم تكن هناك رقمنة للبيانات المتوافرة فلن تكون له فائدة.
• منصات تسلط الضوء على التراث، وتقدمه بمفهوم جديد لكي يصل للنشء بأساليب مبتكرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
إقرأ المزيد


