جريدة الإتحاد - 12/16/2025 12:09:05 PM - GMT (+4 )
يشهد العالم تحوّلًا لغويًا لافتًا يعكس التأثير المتنامي للذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية. ولم يعد هذا التأثير مقتصرًا على مجالات التقنية والاقتصاد، بل امتد ليطال اللغة نفسها، حيث باتت مصطلحات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي تتصدر قوائم «كلمات العام» في أبرز القواميس العالمية.
اختيار «Slop» كلمة العام
قاموس ميريام-ويبستر، اختار كلمة "Slop" أو ما يُترجم إلى "ركاكة الذكاء الاصطناعي"، بعد تصويت الجمهور لتكون كلمة العام، ويشير المصطلح إلى المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي التوليدي منخفض الجودة، والذي غالباً ما يحتوي على أخطاء وغير مطلوب من المستخدم.
ويرى رئيس القاموس، غريغ بارلو، أن هذه الكلمة تعبّر بدقة عن مشاعر متباينة لدى المستخدمين، إذ تجمع بين الدهشة إزاء التقنية الجديدة، والانزعاج من آثارها السلبية، بل وحتى السخرية من بعض مخرجاتها.وفق موقع "arstechnica". المتخصص في أخبار التكنولوجيا.
كما اختار قاموس ماكواري، وهو القاموس الوطني للغة الإنجليزية الأسترالية، كلمة "AI Slop"، لتكون كلمات العام 2025، في انعكاس مباشر لانتشار كمٍّ هائل من المحتوى الرقمي منخفض الجودة الذي يُنتَج بواسطة أدوات الذكاء الاصطناعي.بحسب موقع هيئة البث الأسترالية (ABC).
بحسب لجنة القاموس فإن هذا المصطلح يعكس واقع 2025، حيث أصبح من المتعارف عليه أن "AI generated slop" يشير إلى محتوى يفتقر إلى المعنى أو الفائدة العملية.
في سياق متصل، اختار قاموس كامبريدج البريطاني قبل ذلك كلمة"parasocial" أي "علاقة شبه اجتماعية أحادية الطرف" لتكون كلمة العام 2025 أيضاً، ويرتبط هذا المصطلح بانتشار الشخصيات الافتراضية المولدة بالذكاء الاصطناعي، حيث يتواصل المستخدم مع هذه الشخصيات دون أي تبادل فعلي للمشاعر.
لماذا اختيرت هذه الكلمة؟
يعتمد اختيار كلمة العام على تحليل بيانات البحث والاستخدام اللغوي، ثم التوصل إلى توافق بين المحررين حول المصطلح الأكثر تعبيرًا عن روح العام. ويعكس الارتفاع الملحوظ في عمليات البحث عن كلمة «Slop» تنامي وعي المستخدمين بأنهم باتوا يواجهون محتوى زائفًا أو ضعيف الموثوقية على الإنترنت، سواء في منصات التواصل الاجتماعي أو نتائج البحث.
دلالات الاختيار
يعكس تصدّر هذه المصطلحات لكلمات العام وعيًا متزايدًا بالتحديات التي ترافق الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي، ولا سيما ما يتعلق بجودة المحتوى والمصداقية. كما يشير إلى دور اللغة في مساعدة المجتمعات على فهم الظواهر الجديدة وتسميتها، بما يتيح نقاشًا أعمق حول آثارها الإيجابية والسلبية.
الذكاء الاصطناعي واللغة المتغيّرة
لم تكن هذه المرة الأولى التي توثّق فيها المعاجم أثر الذكاء الاصطناعي على اللغة. فقد اختار قاموس كامبردج كلمة «hallucinate» كلمة عام 2023، في إشارة إلى ميل بعض النماذج الذكية إلى إنتاج معلومات تبدو صحيحة لكنها غير دقيقة.
ويمتد هذا التأثير إلى ثقافة الإنترنت عمومًا، حيث تظهر مصطلحات جديدة تصف أنماطًا حديثة من السلوك الرقمي. فقد اختارت مطبعة جامعة أكسفورد هذا العام تعبير «rage bait» لوصف المحتوى المصمَّم لاستثارة الغضب بغرض زيادة التفاعل، بينما اختار قاموس كامبردج مصطلح «parasocial» للدلالة على العلاقات أحادية الجانب بين الجمهور والمشاهير أو المؤثرين.
الجذور التاريخية للمصطلح
تعود كلمة «Slop» في أصلها إلى القرن الثامن عشر، حيث كانت تُستخدم للدلالة على الطين اللين. وفي القرن التاسع عشر، تطوّر معناها ليشير إلى بقايا الطعام، ثم اتسع لاحقًا ليشمل كل ما يُعدّ عديم القيمة أو قليل الجدوى. ويأتي المعنى الحديث المرتبط بالذكاء الاصطناعي امتدادًا طبيعيًا لهذا المسار الدلالي، إذ يصف شيئًا غير مرغوب فيه رغم وفرته.
اللغة مرآة التحوّلات الرقمية
تاريخيًا، كانت اللغة دائمًا مرآة للتحولات الكبرى في حياة الإنسان، من الثورة الصناعية إلى عصر الإنترنت. واليوم، تؤكد اختيارات القواميس العالمية أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية ناشئة، بل أصبح عاملًا مؤثرًا في تشكيل الوعي الجمعي، وهو ما ينعكس بوضوح في المفردات التي تتصدر المشهد اللغوي العالمي.
يعبر تصدّر مصطلحات الذكاء الاصطناعي كلمات عام 2025 في القواميس العالمية، عن مرحلة مفصلية يعيشها العالم، حيث تتداخل التقنية مع الثقافة واللغة. كما يعكس حالة من المراجعة النقدية الجماعية لعصر الذكاء الاصطناعي، حيث لم يعد التحدي مقتصرًا على تطوير التقنية، بل أصبح مرتبطًا بتمييز المحتوى القيّم من الرديء.. وبين وفرة الإنتاج وسرعة النشر، تبرز الحاجة المتزايدة إلى الوعي، والتمحيص، وبينما يستمر تطور هذه التقنيات، ستواصل اللغة التكيّف معها، موثّقةً أثرها، ومساهمةً في فهمها وتوجيه استخدامها نحو ما يخدم الإنسان والمجتمع ويحافظ على جودة المعرفة في الفضاء الرقمي.
لمياء الصديق(أبوظبي)
إقرأ المزيد




