الاستقرار لا يُنتخب.. بل يُبنى بالحكمة والوراثة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

الغرب منذ بداية القرن العشرين روّج لفكرة العولمة، ليس حباً في توحيد العالم، بل لفرض هيمنته على الدول الضعيفة اقتصادياً وسياسياًَ. كانت العولمة غلافاً ناعماً لمشروع نفوذ كبير، يفتح الأسواق أمام مصالحهم ويُضعف السيادات الوطنية باسم الاقتصاد المفتوح. بعدها جاء دور الديمقراطية، التي تم تسويقها كطريق للتحرر والعدالة والنهضة. لكن في منطقتنا العربية، الديمقراطية لم تكن سوى أداة لاختراق الدول وضرب استقرارها. دخلت إلينا من دون مؤسسات راسخة تحمي الدولة من الفوضى السياسية، فتحولت الانتخابات إلى صراع نفوذ بين أشخاص لا مشروع لهم إلا الوصول للسلطة.

أخطر مراحل هذا المشروع كانت في ما سُمّي بـ «الربيع العربي»، حين تم استخدام شعارات الديمقراطية لإشعال الفوضى في المنطقة. ما حدث لم يكن ثورات شعبية عفوية، بل فوضى منظمة، هدفها إسقاط الأنظمة وضرب الاستقرار وتمزيق المجتمعات.

في الدول التي دخلتها الديمقراطية بهذا الشكل، رأينا نفس النتيجة: السودان نموذج واضح، حيث كل تغيير في رأس السلطة كان ينعكس على تحالفات الدولة وقراراتها، وهناك بعض الدول التي تعيش تخبطاً في سياساتها الخارجية، وتظل رهينة ضغوط داخلية وصراعات مراكز قوى تتغير مع كل انتخابات أو حراك. المشكلة ليست في مبدأ الديمقراطية، بل في غياب الأرضية التي تجعلها تعمل لصالح الدولة لا ضدها.

الانتخابات أصبحت أداة للابتزاز السياسي، وتبديل الوجوه لم يحقق استقراراً، بل زاد من هشاشة الدول. في المقابل، الأنظمة الملكية والوراثية أثبتت أنها الأكثر قدرة على صناعة الاستقرار. القادة في هذه الأنظمة لا يظهرون فجأة، بل يُعدّون من الصغر، يتدرجون في تحمل المسؤولية، يعيشون تجربة الدولة من الداخل، ويتعلمون كيف يكون الحكم أمانة وليس طموحاً شخصياً.

وانتقال السلطة في هذه الأنظمة يتم بسلاسة، من دون أن يدخل البلد في دوامة صراعات، لأن القيادة مشروع متكامل، مبني على رؤية طويلة المدى، لا على وعود انتخابية مؤقتة. الإمارات العربية المتحدة مثال حي على هذا النموذج، حيث حافظت على استقرارها وبنت نهضتها بفضل قيادة رشيدة تخطط لعقود قادمة. والمملكة العربية السعودية كذلك تمثل اليوم نموذجاً للاستقرار والقوة في المنطقة، والمملكة المغربية أيضاً، رغم تعقيدات محيطها الأفريقي، بقيت متماسكة بفضل رؤية ملكية حكيمة.

الحكم بالوراثة ليس رجعية كما يحاول بعضهم تصويره، بل منظومة متجددة تجمع بين الأصالة والتطور، وتؤمن بأن إعداد القادة مسؤولية طويلة المدى، لا قرار انتخابي طارئ.

وفي زمن تتسارع فيه المتغيرات، وتتهاوى فيه أنظمة ديمقراطية عريقة أمام أزماتها الداخلية، تثبت الأنظمة الوراثية أنها النموذج الأكثر قدرة على الحفاظ على استقرار الدول، وضمان استمرارية التنمية، وصناعة قادة يؤمنون بأن الحكم أمانة تُحمَل، لا مغنم يُنتزع. الاستقرار لا يُنتخب بل يُبنى بالحكمة والوراثة.

*لواء ركن طيار متقاعد
 



إقرأ المزيد