جريدة الإتحاد - 4/26/2025 12:21:03 AM - GMT (+4 )

أمران لا أسمح ولا أتنازل عنهما في السفر، الأول هو الفندق الراقي مهما كلفت منامته في الليلة، والثاني وجبة واحدة معتبرة في اليوم، مثل وجبة الأسد، ما بقي هي تفاصيل لا تُغني، ولا تحتمل أي نقاش جاد، لذا في أي سفرة يكون الأساس الأول الفندق الذي يُبنى عليه خط سير الرحلة، لأن الفنادق هي بيوتنا المؤقتة، لذا نحرص أن نختار منها الفخم والمعروف، وصاحب الإطلالة الخلابة، ودائماً ما تشتكي النساء من صغر غرفها، رغم أنها تفي بالغرض، وأتحدى أن نستطيع عمل غرفة فندقية في بيوتنا مهما تجملنا ودفعنا ورسمنا، المهم.. لو يحصي بعضنا الفنادق التي نزل بها حول العالم، فسيجمع أجمل ألبوم، غير أن بعضنا اتخذ من بعض الفنادق منازل له، لا يحب أن يغيرها، مثلما لا يحب أن يغير مدينة بذاتها، وبعضهم مثلي يُعد صديقاً للفنادق.
مرة.. قبل سنوات، وفي فندق من ذوات النجوم الخمس، إضافة إلى شرطة زائدة، مما يعني أن فيه على الأقل مطعماً راقياً يحمل نجمتين «ميشلين»، ومبناه تاريخي، ونزل به عدد من المشاهير، وغيرها من الأمور التسويقية التي لا يمكن أن تجعل من الوسادة هادئة، وجالبة للأحلام، لكنه نتيجة بحث سهيلة في الـ «غوغل» قبل كل سفرة، وأنا المعلومات التي أعرفها، أبخل بها عليها، لأنها صاحبة أسئلة كثيرة، والإنسان ليس دائماً صاحب بال أو بارض، المهم توفقنا كثيراً في الفندق المطل على أمستردام الجميلة، وفرحت سهيلة بتعليقات الرضا الصادرة عن زبائن نزلوا فيه، واستجابوا لإلحاح موظفي الفندق، خاصة أولئك اللواتي في الاستقبال على مشاركة رأيهم عبر الموقع تجاه الفندق ومرافقه، رغم أننا نصف مرافق الفنادق لا نعرفها، ولا نستعملها، ليس مثل الأوروبيين، يظهّرون الفلس من عين صاحب الفندق، نحن «يالله يالله الريوق نلحق عليه، بالرغم أنه في الحادية عشرة»!
المهم بعد ليلتين من المبيت الهادئ في ذلك الفندق الذي كان مبنى للمصرف المركزي الهولندي قديماً، ثم أصبح مدرسة للـ «كونسرفاتوار»، ثم قبض عليه واحد من أبناء العم، وحوله لنزل يباهي به، -وتلك معلومات أخفيتها عن سهيلة- لأنها تظل تتحرطم بأشياء غير مقنعة لي في هذا العمر.
كنا في عز نومنا بعد ما هدّنا التعب والمشي والفرجة، وسهيلة ربما كانت تحلم بخالتها، سمعنا ذاك النفير المفزع، تلته كلمات بالـ «داتش» لم نفهمها، لكننا أيقنا أنها خطب عظيم، ثم تلاه تحذير بالإنجليزية، أن أخرجوا من الغرف، هناك حريق، فَزّيت، وكأني نسيت أنني كنت نائماً، بكل اليقظة والتأهب والاستعداد الكشفي، وسهيلة تقول: «شو هالحشره نص الليل»؟ فصرخت أن لديها ثلاث دقائق لتخرج من الغرفة، ولا وقت حتى لتوصّي بعدها.
ولعلها من الحالات النادرة التي تعرضت لها ليلاً، وأثناء رحلاتي الكثيرة، ففكرت بأشياء أعدها من الأولويات هي في تلك الحقيبة الرابضة عند سريري، كعادة أحرص عليها في السفر، كاميرا وكمبيوتر وما هو مخزن فيهما، وجواز السفر، والفلوس والبطاقات، لأنني بصراحة «ما أروم أتلته، ولا أقدر أسوم الوجه، ويُبين على وجوهنا أننا لسنا على هيئة لاجئين»!
وشخصياً لا أعرف كيف يمكن أن أتصرف، لأن الإنسان في هذا الوقت إن خلا جيبه، كانت صعبة خطاه على الطريق، وأنا أشعر بعدم التوازن والاستقامة في المشي، لو رديت يدي «لمخباي» ولقيته خالياً من «المخابيط»، غليت تلك الحقيبة على ظهري، وبتلك البيجامة التي بتّ أتقلب بها، والتي أنحسرت قليلاً، وعملت منحنى عند الركبتين، كشأن البيجامات القطنية الرخيصة، والتي تشترى على عجل، ومن الجمعيات، دوى النفير ثانية، وأيقنت لو أني فتحت الباب خارجاً ستشب الحريقة في وجهي.. وغداً نكمل.
إقرأ المزيد