قطاع الطيران..ومعضلة التعريفات الجمركية
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 يريد العالم المزيد من الطائرات المدنية. وتسعى شركات الطيران لتوسيع أساطيلها واستبدال الطائرات القديمة الأعلى تكلفة في التشغيل. وترغب شركتا «إيرباص» و«بوينج» في تصنيع المزيد من الطائرات. ويتمثل العائق الوحيد في تعافي سلسلة توريد صناعة الطيران، وهي من أكثر القطاعات تضرراً من جائحة كوفيد-19، والأبطأ في التعافي.
وبينما بدأت ورش التصنيع المتخصصة التي تُصنّع الأجزاء المعقدة في استعادة توازنها والتحضير للزيادة الكبيرة في إنتاج «بوينج»، تواجه الصناعة الآن اضطراباً بسبب التعريفات الجمركية التي قد ترفع التكاليف وتؤدي إلى نقص في بعض المواد، مثل العناصر الأرضية النادرة.
ليس من المنطقي أن تُزج صناعة الطيران العالمية في محاولة الرئيس دونالد ترامب لإعادة هيكلة التجارة العالمية. فقطاع الطيران الأميركي، بما في ذلك الدفاع، هي النشاط التصنيعي الكبير الوحيد الذي يحقق فائضاً تجارياً سنوياً – بقيمة تقارب 75 مليار دولار. وهي صناعة يهيمن عليها اللاعبون الأميركيون والأوروبيون، وتلعب فيها آسيا، وخاصة الصين، دوراً صغيراً. وهذا يعني أن صناعة الطائرات ليست قضية أمن قومي مثل صناعة السفن، بل على العكس، تغذي سلسلة التوريد للطيران التجاري أيضاً قطاعاً عسكرياً قوياً.
بينما تعتمد شركات الطيران ومصنعو الطائرات والمستثمرون على زيادة الإنتاج، يواجه الموردون تعريفات جمركية بنسبة 50% على الصلب والألمنيوم. بالإضافة إلى ذلك، أدرجت «جمعية صناعات الطيران» في رسالة إلى وزارة التجارة 27 مادة أساسية مثل الجرافيت والكوبالت والتيتانيوم، قد تصبح نادرة أو باهظة الثمن إذا أوقفت الصين شحناتها.
تتشابك صناعات الطيران والفضاء في أميركا الشمالية وأوروبا بشكل وثيق. على سبيل المثال، يُصنَع محرك «Leap» الشائع في الطائرات الضيقة البدن من «إيرباص» و«بوينج»، بوساطة شركة «سي إف إم انترناشونال»، وهي مشروع مشترك ناجح بين «جنرال إلكتريك» الأميركية و«سافران» الفرنسية.
وقد سبق للولايات المتحدة وأوروبا أن سلكتا هذا الطريق بفرض رسوم جمركية متبادلة على طائرات «بوينج» و«إيرباص»، في نزاع دام 17 عاماً بدأ عام 2004، وتم التوصل إلى اتفاق عام 2021 لإنهاء هذا التراشق المستمر حول الإعانات والتعريفات الضارة.

صحيح أن «إيرباص» زادت حصتها السوقية في الطائرات الكبيرة منذ عام 2019، لكن ذلك يُعزى في الغالب إلى «بوينج» نفسها. فقد تم منع طائرة «737 ماكس»، الطراز الأكثر شهرة لبوينج، من الطيران في مارس 2019 بعد حادثين مميتين. وفي يناير الماضي، تسبب حادث آخر كاد أن يؤدي إلى كارثة في قيام إدارة الطيران الفيدرالية بتقييد إنتاج الطائرة. كما أن إضراباً استمر قرابة شهرين في نهاية عام 2024 أدى إلى توقف شبه تام في التصنيع.
وكان الموردون لـ«بوينج» يعانون بالفعل من آثار إيقاف «737 ماكس» عندما ضرب كوفيد-19 في مارس 2020. وعلى عكس الإنتاج الضخم للسيارات أو الثلاجات، فإن عدد الطائرات التجارية الكبيرة المُصنّعة سنوياً، لا يتجاوز ألف طائرة بقليل. وبعضها يحتوي على أكثر من مليون قطعة، حسبما صرّح الرئيس التنفيذي لـ«بوينج»، كيلي أورتبرج.
إن تركيبة الموردين المتخصصين الصغار جعلت سلسلة التوريد أكثر عرضة للجائحة. فقد غادر العمال ذوو الخبرة القطاع. ويمكن أن يستغرق إدخال موردين جدد سنوات بسبب القواعد الصارمة لاعتماد الأجزاء من قبل إدارة الطيران الفيدرالية. وللحفاظ على الموردين وسط صدمة الطلب ونزيف الكفاءات، شكلت شركات الطيران والموردون الكبار فرق دعم تقدم الدعم الفني والمالي وحتى العمالة.
في عام 2020، انخفضت تسليمات الطائرات التجارية الكبيرة إلى 723 فقط، مقارنة بذروة بلغت 1606 طائرات في عام 2018.
ولا تزال آثار الجائحة قائمة، لكن التحسن واضح. الموردون الذين شكلوا مصدر مشاكل لـ«جنرال إلكتريك» باتوا الآن يلبّون التزاماتهم بنسبة 95%، أي ضعف ما كانوا عليه العام الماضي، وفقاً للرئيس التنفيذي لجنرال إلكتريك، لاري كولب.

وقد اشتكى الموردون من ارتفاع التكاليف الناتج عن التعريفات، بحسب الرئيس التنفيذي لسافران، أوليفييه أندريه.
أدى تعثر شركات المحركات إلى تكدس 17 طائرة في منشآت «إيرباص» بانتظار المحركات فقط. وقال الرئيس التنفيذي «جيوم فوري»: «هذا الوضع سيستمر حتى الصيف، ومن المرجح أن يزداد عدد الطائرات المتكدسة بسبب غياب محركات CFM».
وفي خطوة جذرية لتحسين جودة وموثوقية تسليم هياكل الطائرات، وافقت «بوينج» على شراء «سبيريت إيروسيستمز» بأكثر من 8 مليارات دولار، شاملة الديون. وستستحوذ «إيرباص» على أصول «سبيريت» التي تزودها بأجزاء الهيكل.
تحتاج سلسلة التوريد إلى الوثوق بأن «بوينج» ستواصل إنتاج الطائرات بوتيرة ثابتة، بينما يسعى الرئيس التنفيذي «أورتبرج» لإعادة الشركة إلى موقعها كأكبر منتج للطائرات التجارية.
إن صناعة الطيران، باعتبارها حجر الأساس للتصنيع الأميركي، على وشك انطلاقة إنتاجية ستعزز الصادرات الأميركية من الطائرات. فلنأمل ألا تُضعف حرب التعريفات الجمركية التي شنّها ترامب هذه الانطلاقة.

*كاتب متخصص في قطاع النقل
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»



إقرأ المزيد