كيف نحمي العالم من الهذيان؟
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

ربما أصبح الهذيان طريقة وحيدة للتعبير عن التسلط، والبطش، عندما لا يكون الواقع الإنساني إلا دائرة مغلقة على جنون العظمة، والشعور بالقوة، وكأن الفيلسوف البريطاني فرنسيس بيكون ينهض من قبره، ويعيد إطلاق إعلانه الشهير الذي قال فيه «المعرفة قوة» وذلك في العام 1620، ليؤكد للحمقى أنهم بالقوة وحدها يستطيعون تغيير تضاريس الأرض، والقبض على التاريخ من لحيته، والسير به نحو جنوح مريب، ومعيب، وعجيب وغريب، لا يصدق حقيقته إلا أصحاب العقول المتزمتة، والقلوب الكارهة، والنفوس المستبدة والأرواح التي تشبه مراوح يدوية بالية. 
يشعر الإنسان بالأسى، والألم عندما يسمع أو يقرأ عن أناس يفكرون بعقلية القرون الحجريّة، ويعيدون الذاكرة إلى أزمنة ثقافة الغاب، ويتعاملون مع الآخر، بصيغة الضد دوماً مهما بلغت الحقائق من نقيض ما يفكرون فيه، إلا أنهم يستمرئون هذا الحال، ويتمسكون بأحقادهم، ويفكرون بعقول تشبه الجيف، ولا ينظرون إلى الواقع إلا من زاويته المظلمة، ولا يرون الآخر إلا بعين غشاها الرمد، ونفوس غاصت في عميق الأسود الدامس، وقلوب مشاعرها كنشارة الخشب. 
هذه مأساة العقل المأزوم بالأنانية، العقل المغلق، الذي لا يفكر إلا بالأنا، ويمسك بتلابيب الحياة بأنياب صفراء، ومخالب كأنها الحراب الصدئة! اليوم ونحن نتابع ما يحدث في منطقتنا من دموية مفزعة، وحروب غوغائية مفجعة، وصراع خاوٍ من المنطق، فارغ من الحقائق التاريخية سوى تلك المركبة عبر خدع بصرية ساذجة، وتلك التي ألفها كتاب لا يجيدون سوى كتابة السيناريوهات القاتمة المبنية على الكذب والافتراء، والإنسان يسأل نفسه ويقول، ماذا سيحدث في العالم فيما لو تقبل كل منا الآخر، وعاش الإنسان والإنسان كتفاً بكتف من أجل، حضارة براقة، مصابيحها من نيون مشاعر الحب، وسارياتها من معدن ثقافة الكل من أجل الكل، وتخلص العالم من نفايات التاريخ، وتحرر من بقايا معدن رخيص، وانتهى بنا المطاف إلى غايات أجمل من أجنحة الفراشات، وأبهج من وجه النجمة، وأنبل من سخاء الغيمة، وأعظم من الجبال الشم؟. 
ماذا سيحدث في العالم فيما لو تفتحت صدور المتزمتين وأصبحت بساتين ترتع فيها غزلان الفرح، ووثب الجياد الأصيلة على عشب قشيب، كزغب القطا. أعيد وأكرر ماذا سيحدث لو أصبحنا في ليلة وضحاها، نعيش في فضاءات شاعريه لا فيها لغو، ولا لهو، ولا سهو، بل صار الناس أجمعين يعيشون رغم اختلاف الأجناس والأديان والألوان، على قاعدة أننا أبناء الأرض وواجبنا أن نحمي بيتنا الكبير من غي التعنت، ومن ضغائن الجاهلين، ومن بؤس، ورجس، الأنانيين؟ أقول إننا لابد وأن نزخرف قمصان صباحاتنا بالألوان الزاهية كما هي نفوسنا التي ارتدت السندس، وكما عقولنا التي ولدت من جديد، وصارت لدينا عوالم واسعة الظلال اسمها عوالم الحب تمتد من الهادي إلى الهندي متصلين بالأطلسي، ونكون قد أنجزنا مشروع السماء وشجرنا الأرض بالتين والزيتون، وجعلنا من البحار والمحيطات عيون نساء تعشق الجمال، كما أنها تعمل على بناء علاقات أسرية غير مثلومة، ولا مكلومة، ولا مهمومة، ولا مهضومة، ولا مقسومة، إلا أسرة عالمية ثقافتها الحب ولاشيء سواه.



إقرأ المزيد