جريدة الإتحاد - 11/27/2025 2:06:29 AM - GMT (+4 )
الغُربة ليست دائماً رحلةً في الجغرافيا، فقد تكون شعوراً يتسلّل إلى الروح دون إذنٍ منها، كمْ من إنسان يعيش بين أهله لكنه غريبٌ عنهم، وكم من آخر يعيش بعيداً عن وطنه، لكنه قريبٌ من نفسه ومن الناس حوله.
تذكّرتُ زميلاً عملت معه في بدايات مسيرتي في التعليم، كان يعيش مع أسرته وزوجته وولديه تحت سقفٍ واحد، ثم تفرّقت بهم الأيام كما تفعل الأقدار أحياناً، زوجته وأطفاله عادوا إلى مصر، وهو استقرّ في إحدى دول المغرب العربي وتزوّج هناك، بينما أحد أبنائه هاجر إلى كندا واستوطنها، ثلاث قاراتٍ لأسرة واحدة، وكلٌّ يحمل غربته بطريقته، تذكّرتُ هذه الحكاية أثناء زيارة ابنهم المهاجر إلى دبي ولقائي به، فدار السؤال في داخلي: ما الغربة؟ وما القُربة؟
الغربة تبدأ حين تشعر أن جزءاً منك لم يعد يجد موضعه بين الناس، قد تسكن بين جدرانٍ تعرفك، لكن روحك تتجوّل كغريبٍ لا يعرف أين يضع خطوته التالية. هي غربة الروح حين لا تجد من يسمع نبضها، وغربة الفكر حين يصبح ما تؤمن به مرفوضاً في عيون محيطك، وغربة اللغة حين تبحث عن كلمة تسندك فلا تجدها. وهي غربة الوطن، حين تعيش في مكان لا يشبه ذاكرة طفولتك، فالغربة في جوهرها ليست بُعداً عن مكان، بل بُعداً عن معنى كان يوماً يسكنك.
أما القُربة، فهي اقتراب أرواح قبل أجساد يفهم بعضها بعضاً حتى لو جمعها لقاءٌ قصير غير مخطط له، هي قُربة المحبة التي تختصر المسافات، وقُربة الانتماء التي تمنحك بيتاً ولو كنت في آخر الأرض، وقُربة الأفكار حين تلتقي بروح تشبهك دون أن تبحث عنها.
هل يمكن للغربة والقُربة أن يلتقيا؟ سؤالٌ يبدو متناقضاً: كيف يلتقي منفى الروح مع وطن القلب؟ يحدث في مكانٍ تستطيع أن تغترب فيه عن وطنك دون أن تغترب عن نفسك، وتقترب فيه من أناس لم تجمعك بهم أرضٌ واحدة، لكن تجمعك معهم قيمة واحدة.
وفي وطننا الغالي دولة الإمارات… التقت الغُربة بالقُربة، فقد أصبح المستحيل ممكناً، يجيء إليها الناس من الشرق والغرب، يحمل كلٌّ منهم لوناً وصوتاً وحكاية، فيجدون أنفسهم ينتمون قبل أن يستقرّوا، ويطمئنون قبل أن يعرفوا الطريق جيداً. هنا يلتقي العربي بغير العربي، والمسلم بغير المسلم، في بيتٍ واحد اسمه: الاحترام، والقانون، والنظام، والعدالة… قيمٌ تكفل إنسانية الإنسان وكرامته، فيها يعيش المواطن كريماً، والمقيم محترماً، والضيف آمناً، وطنٌ صنع قُربةً لا تشبه أي قُربة.
دعاءٌ وولاء في يوم الوطن: في يوم الإمارات الوطني، عيد الاتحاد الرابع والخمسين، اللهم بارك في قادتها، وشعبها، وزدها أمناً ورخاءً ورفعة. وكل عامٍ والإمارات بخير.
إقرأ المزيد


