جريدة الإتحاد - 12/31/2025 10:58:49 PM - GMT (+4 )
لا أتحمس كثيراً لكتابة المقالات التي تتناول حصاد عام مضى وتوقعات عام مقبل، لأن العام مجرد وحدة زمنية لا علاقة لها بالضرورة ببدء ظواهر جديدة أو انتهاء أخرى. غير أنه خطر لي أن عام 2026 يمكن أن يشهد تطورات لافتة في التحالف الغربي، وليس المحللون السياسيون منجمين يتنبؤون بأحداث لا مقدمات لها، ولكنهم يؤسسون تنبؤاتهم على مقدمات تراكمت بحيث تُفضي لتوقعات مبنية على تطورات متكررة بما يوحي بمسار معين للأحداث. وقد خطر لي أن أناقش في هذا المقال مستقبل التحالف الغربي في عام 2026.
والتحالف الغربي هو المصطلح الذي يشير أساساً إلى العلاقات الأميركية الأوروبية التي شهدت أقصى درجات التحالف العسكري في الحرب العالمية الثانية، وهو الذي انتزع النصر على دول المحور، ولم ترتد الولايات المتحدة بعده إلى العزلة، كما فعلت عقب الحرب الأولى، بل برزت كقائد جديد لهذا التحالف، بعد أن أصاب الوهن أقوى دولتين أوروبيتين وهما بريطانيا وفرنسا، بسبب التكلفة الباهظة التي تحملتاها أثناء الحرب. وبموجب هذه القيادة، شهدت العلاقات الأميركية الأوروبية أقصى درجات التعاون الاقتصادي في إطار مشروع مارشال الذي كان بمثابة عملية إعادة إعمار أميركية لأوروبا الغربية.
ومع تبلور الحرب الباردة ضد المعسكر الاشتراكي، بدايةً من أواخر أربعينيات القرن الماضي، ازدادت متانة هذا التحالف في إطار حلف شمال الأطلسي، في مواجهة حلف وارسو الذي مثل الإطارَ العسكري للمعسكر الاشتراكي، واستطاع التحالف الغربي أن ينتزع النصرَ للمرة الثانية في المواجهة التي دارت بين المعسكرين خلال الحرب الباردة التي أخذت هذه التسمية إشارةً إلى أنها لم تتضمن صدامات مسلحة مباشرة بين الجانبين.
وكان انتصار التحالف الغربي في تلك المواجهة لافتاً، حيث تم لأول مرة في تاريخ العلاقات الدولية الحديث دون حرب رئيسية، حيث تفكك الاتحاد السوفييتي من داخله، وبعدها انطلقت الولايات المتحدة لتوسيع التحالف الغربي ليشمل دولَ المعسكر الاشتراكي المهزوم، بل وبعضاً من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، وبدا أن التحالف الغربي على وشك أن يضع اللمسات الأخيرة على لوحة «نهاية التاريخ» التي تنبأ بها فوكوياما متعجلاً، وإن كانت روسيا الاتحادية قد أفسدت هذه الفكرة الساذجة.
غير أن ولاية دونالد ترامب الأولى (2017-2020) شهدت أول مشكلة واجهها هذا التحالف، والتي نجمت عن رؤية ترامب لضرورة تحمل شركاء الأطلسي نسبةً أكبر من أعبائه المالية. ولأن الطلب بدا منطقياً فقد مرّت الأمور دون مشكلات كبرى، لكنه بدأ ولايتَه الثانية بمطالب مفاجئة مثل ضم كندا للولايات المتحدة، وكذلك جزيرة جرينلاند التابعة للدانمارك. وأثارت هذه المطالبُ في حينه، ومازالت، ضجةً في أوساط التحالف الغربي، ثم أُضيف لهذا كله النهج الجديد لترامب في تسوية الحرب الأوكرانية، والذي ينطلق من تنازلها لروسيا عن الأراضي التي أعلنت ضمها، وهو ما سوف يمثل سابقة تضرب فكرة الأمن القومي الأوروبي في الصميم. ويُلاحظ هنا أن الدول الأوروبية حتى الآن تعلن على نحو غير مباشر عن عدم قبولها نهج ترامب، دون الدخول في مواجهات مباشرة معه.. فهل تؤدي كل هذه التطورات إلى شرخ في التحالف الغربي؟ ثم ماذا لو اكتملت التسوية وفق رؤيته؟ من الواضح أنه حتى لو فشلت التسوية بسبب المواقف الأوروبية فإن غضب الرئيس الأميركي من أوروبا لموقفها هذا يمكن أن يلحق الضررَ بالتحالف الغربي، والله أعلم.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة
إقرأ المزيد


