الذكاء الاصطناعي.. صراع «البيانات» و«الحكمة»
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

هل الذكاء الاصطناعي تطوّرٌ للبشرية وتسهيلٌ للحياة وتقصير لعمليات التعلّم والتعليم والتطور والرقي، أم أنه مؤذِنٌ بنهاية البشر وسيطرة الآلة وتحكّم التقنيات في مصير البشرية؟ هذا سؤال شديد الإلحاح على الواقع المعيش، ومع انخراط الغالبية العظمى من الأفراد والمجتمعات والدول في هذا المجال الجديد، فإن أحداً لا يملك الوقت للتفكير المتأني والحكيم في المصير الذي يؤدي له مثل هذا التطوّر غير المسبوق في حياة البشر.
كتب كاتب هذه السطور مراراً وتكراراً محذراً من «التفاهة الممنهجة» منذ عقدٍ من الزمان تقريباً، وكان التطور حينها سريعاً من المطبعة إلى الإذاعة ثم من التلفاز إلى الفضائيات، ومن بعد كانت ثورة الإنترنت وصَرعات «منتديات الدردشة»، ثم دخلت على الخط «مواقع التواصل الاجتماعي»، واليوم نعيش زمن الذكاء الاصطناعي بمسمياته المختلفة وتطبيقاته المتعددة.
مع اعترافي بأنني أحد أفراد «الأمية التقنية»، إلا أنه كانت لي تجارب ثلاث مع تطبيق الذكاء الاصطناعي «تشات جي بي تي»، حين سألتُه في المرة الأولى عن نفسي؟ ولم يستطع الإجابة حتى قربتُها له، وفي الثانية، طلبتُ منه تصميمَ مبنى للسفارة السعودية في دمشق، يكون مجسداً للحظة الامتنان التي عبّر عنها الأمير محمد بن سلمان عندما قرّر الرئيس الأميركي رفعَ العقوبات عن سوريا، ومستفيداً من تصاميم المصممة العظيمة «زها حديد»، ولم يفلح وإنْ حاول. والتجربة الثالثة، كانت حين وجدتُ لدي كاميراتٍ قديمة، فيديو وصور، ولكنها من دون شواحن ولا توصيلاتٍ لرؤية ما فيها، فاستعنتُ به، وقد رأيتُ منه العجب حقاً، لقد تعرّف على كل الكاميرات، وعرّف أنواعها وموديلاتها وسنوات صنعها، وأرشدني إلى كيفية طلب المعدات التي تُعيدها إلى الحياة، وكيف يمكنني التعامل مع أزرارها القديمة.
 في مقالة كتبها الراحل «هنري كيسنجر» عام 2018، ونشرتْها بالعربية «مجلة حكمة» لصاحبها الصديق الراحل «يوسف الصمعان»، قال كيسنجر بأنه مع الذكاء الاصطناعي «تصبح الحقيقة نسبية، وتوشك المعلومات أن تطغى على الحكمة». بمعنى أن تصبح «المعلومات» و«الأرقام» و«البيانات» المخزنة إلكترونياً هي الحَكم على القرارات والرؤى والأحكام، فتغيب «الفلسفة» و«الحكمة» و«الأخلاق». وهذا أمر بالغ الخطورة على البشرية كما عرفها البشر منذ بدء الخليقة. لكن هل يستطيع أي صانع قرارٍ أن يتخلّف عن العالم بعدم استغلال وتطوير هذه الوسيلة الخارقة وغير المسبوقة؟ بالتأكيد لا.
والسؤال هو: هل يمكن إيجاد طريقةٍ للوصل بين هذا التطور التقني غير المسبوق وبين إبقاء الفلسفة والحكمة والأخلاق؟ وهل البشرية مقبلةٌ على عصورٍ رقميةٍ تتخذ فيها القرارات المصيرية بناءً على «الأرقام» و«المعلومات» و«البيانات» فقط لا غير، ما يعني دخولنا في عصورٍ تشبه ما حذّرت منه كثيرٌ من الروايات والأفلام الهوليودية حين تنبأت بأن نهاية البشرية ستكون على يد الآلات التي يخلقها البشر؟
تستطيع «برامج» الذكاء الاصطناعي معالجة أعدادٍ هائلةٍ من الأرقام والبيانات والمعلومات وخدمة من يديرها فيما يسعى إليه، وهو أمرٌ لا يطيقه البشر، أفراداً ولا مجموعاتٍ. وبغضّ النظر عن افتقار تلك البرامج للحسّ الفني، صوراً وأصواتاً، فإنها تفتقر لكل المعاني الإنسانية، من عواطف ومشاعر وأحاسيس.. بمعنى أن الذكاء الاصطناعي قادرٌ في كل زمانٍ ومكانٍ وظرفٍ على اتخاذ قراراتٍ تودي بحياة البشر كليةً وبوجوده نفسه، دون أي شعورٍ بالتردد أو التفكير أو التحرج.
وأخيراً، فمنذ اكتشاف «القنبلة الذرية» و«السلاح النووي» سعى عقلاء البشر قاطبةً للسيطرة على هذا السلاح، وأن لا يقع في اليد الخطأ، فما هو حجم خطر السلاح النووي أمام خطر الذكاء الاصطناعي حين يقع في اليد الخطأ أيضاً؟


*كاتب سعودي



إقرأ المزيد