من حصاد 2025.. إلى عام الأُسرة
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

إذا كان 2025 قدّم درساً واحداً واضحاً، فهو أن الدولة التي تُحسن إدارة الداخل تملك هامشاً أكبر في الخارج. ليس لأن العالم صار أكثر هدوءاً، بل لأن ميزان المنافسة تغيّر: اقتصاد قادر على الاستمرار، مجتمع متماسك، ومؤسسات تعرف كيف تُحوّل الفكرة إلى نتيجة. حصاد 2025 في الإمارات لم يكن مجرد أرقام، كان إثباتاً لفعالية الإدارة.

حين تضعك تقارير التنافسية بين الخمسة الكبار عالمياً، وتُبقيك الأول إقليمياً للعام التاسع، فهذا يعني أن المنظومة تعمل لا العناوين. وحين يتقدم ملف المواهب والحكومة الرقمية والأمان وريادة الأعمال معاً، يصبح النجاحُ هنا طفرةً محسوبةً ضمن مسارٍ مستدام.

اللافت في تجربة الإمارات أن التقدّم فيها يُرى في طريقة العمل قبل أن يُرى في الأرقام. في شرق أوسط مزدحم بالتحديات، وفي عالم متحول، لا يكفي أن تتقدم اقتصادياً فقط، ولا أن تتكئ على الهوية فقط، القوة الحقيقية أن تمشي المسارات معاً.

الإمارات راكمت هذا التوازن: اقتصاد تنافسي يفتح فرصاً، وهوية راسخة تمنح المجتمع ثقة ووجهة، وانفتاح محسوب يوسّع الشراكات ويخدم الأولويات الوطنية. وبهكذا توازن، يبقى إيقاع الدولة ثابتاً مهما تبدّلت التحديات العالمية. ويأتي «عام الأسرة» امتداداً طبيعياً لـ «عام المجتمع». ما حمله 2025 بعنوان «يداً بيد» يتقدم في 2026 إلى البيت. فقوة المجتمع تُصنع في الأسرة، في الثقة والتربية والإحساس بالمسؤولية المشتركة. ومع اتساع الرهان على اقتصاد المعرفة والمهارات، تصبح الأسرة جزءاً من معادلة الدولة، بيئة مستقرة تدعم التعليم، والتعليم يرفع الإنتاجية، والإنتاجية تعزّز النمو. وفي 2026، اقتصاد الدول يُقرأ بالمعرفة والمهارة.

الإمارات في طليعة الدول التي تستثمر مبكراً في مستقبل الذكاء الاصطناعي، وتعرف أن المطلوب أن يوازيه استثمار في التعليم والصحة وجودة الحياة وبناء المهارة، لأن الذكاء الاصطناعي سيُعيد توزيع الوظائف ويغيّر معنى الإنتاجية وفرص السوق. وكلما كان البيت أكثر تماسكاً، والمدرسة أكثر جاهزية، وجودة الحياة أفضل، كان الانتقال إلى الاقتصاد الجديد أسرع وأقل كلفة. وفي السياسة الخارجية، تُدار الملفات بالطريقة نفسها التي أُدير بها حصاد الداخل. الاقتصاد أولاً، ثم سياسة تخدمه وتفتح له المساحات.

الإمارات تعرف أن الشراكات لا تُبنى على تقلبات اللحظة، لذلك تُفضّل مسارات عملية، تفتح قنوات، تُهدّئ زوايا الاشتباك، وتوسّع شبكة المصالح مع الشرق والغرب من دون أن تُستدرج إلى استقطابات الآخرين. وحين تُشن حملات تشكيك أو تُرمى اتهامات جاهزة، لا تدخل سجالاً، بل تردّ بسير العمل، اتفاقيات تُوقّع، مشاريع تُنجز، ومساعدات تصل حيث يجب أن تصل. بهذا الاتزان، يتقدم الاقتصاد، ويدخل المجتمع 2026 وهو أكثر ثقة بنفسه.

وفي نهاية المطاف، قيمة هذا المسار أنه يجعل الدولة أقل انفعالاً أمام التحولات. حين تكون الأولويات واضحة، يصبح التعامل مع الحملات أسهل، لا لأن الحملات تختفي، بل لأن أثرها يضعف أمام واقع يعمل. الإمارات لا تحتاج أن تشرح نفسها طويلاً كل مرة، يكفي أن تمضي في شراكاتها، وتستكمل مشاريعها، وتؤدي واجبها الإنساني حيث يلزم، وأن تبقى بوصلتها كما هي. هذا النوع من الثبات هو الوجه السياسي لنفس الإدارة التي صنعت حصاد 2025. من هنا يأتي «عام الأسرة» كعنوان مناسب لبداية العام، ليس لأنه يبتعد عن الملفات الكبرى، بل لأنه يذكّر بمعيار القوة الحقيقي.

الدولة التي تستثمر في البيت تحمي مناعتها الاجتماعية، وتخفف كلفة التحولات، وتمنح مشروعها الاقتصادي عمراً أطول. وقد يكون أجمل ما في الفكرة أنها لا تُكتب كخاتمة لعام، بل كبداية لعام جديد، بداية تقول إن التقدّم لا يُقاس بما نعلنه، بل بما نثبّته في حياة الفرد والأسرة.

*كاتب إماراتي



إقرأ المزيد