وداعاً 2025.. البحث عن بصيص أمل في عام عصيب
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 هذا هو الموسم الذي اعتدت فيه أن أجادل بأن العام الذي يوشك على الانتهاء كان الأفضل في تاريخ البشرية. لكنني هذه المرة لا أستطيع. فقد كان عام 2025 نكسة للبشرية - وللأسف، كانت الولايات المتحدة أحد أسباب هذا التراجع.

ولعلّ أسوأ مصيبة قد تُصيب بالغاً هي فقدان طفل. وكان هذا الأمر قد بات نادراً على نحو متزايد، ولكن في عام 2025، ولأول مرة في هذا القرن، يُعتقد أن عدد الأطفال الذين يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بنحو 200 ألف طفل، وفقاً لمؤسسة جيتس.

وقال بيل جيتس: «هذا يعني أكثر من خمسة آلاف فصل دراسي من الأطفال، اختفوا قبل أن يتعلموا كتابة أسمائهم أو ربط أحذيتهم». ويموت الأطفال بأعداد متزايدة جزئياً لأن إدارة ترامب قلّصت المساعدات الإنسانية. وخلال تقاريري من مختلف أنحاء العالم عن آثار هذه التخفيضات، رأيت عدداً كبيراً جداً من الأطفال يموتون، بحيث يستحيل عليّ أن أكتب عن عام 2025 باعتباره «أفضل عام على الإطلاق».

ومع ذلك، ربما لأنني رأيت هذا القدر من المعاناة غير الضرورية للأطفال، أشعر بحاجة إلى قراءة شيء يبعث على الطمأنينة - ويبدو أن الطريقة الوحيدة التي سأقرأ بها مثل هذا المقال هي أن أكتبه بنفسي. فإليكم المحاولة.
البداية هي اكتساب منظورٍ أوسع والإقرار بأننا، في مسار التاريخ البشري، ما زلنا في وضع جيد. صحيح أن عام 2025 لم يكن الأفضل في تاريخ البشرية، لكن عند قياسه بمعدلات وفيات الأطفال، كان واحداً من أفضل خمسة أعوام على الإطلاق. فقد توفي في عام 2025 أقل من نصف عدد الأطفال الذين توفوا في عام 2000.
 ويبدو من المرجح أيضاً أن تستأنف المسارات الإيجابية مسارها بعد التراجع الذي شهدته في عامي 2025 و2026. تتوقع مؤسسة جيتس أنه على الرغم من تباطؤ وتيرة انخفاض وفيات الأطفال، إلا أن الوفيات ستشهد انخفاضاً على الأقل في السنوات القادمة. وبالمثل، تشير المؤسسة إلى أن نسبة الأطفال الذين يعانون من التقزم بسبب سوء التغذية ستكون على الأرجح أقل في عام 2030 مما هي عليه الآن، ولكن ربما لن تكون منخفضة كما لو استمر تمويل المساعدات.
حتى عام 1970 تقريباً، كانت غالبية البالغين أميين. أما الآن، فقد بلغت نسبة معرفة القراءة والكتابة بين البالغين 88%، ويعود ذلك جزئياً إلى ازدياد أعداد الفتيات الملتحقات بالمدارس، وهؤلاء النساء المتعلمات يُحدثن تغييراً إيجابياً في الأسر والاقتصادات والمجتمعات.
وعلى الرغم من الفوضى في العالم السياسي، فإن بعض الاتجاهات المهمة تبعث على التفاؤل. فقد كان تعاطي المخدرات أحد أعظم الآفات في العصر الحديث، حيث توفي أكثر من نصف مليون أميركي بسبب الجرعات الزائدة منذ عام 2020 - لكن الأسوأ قد يكون قد مضى. فبينما لا تزال وفيات المخدرات مرتفعة للغاية، ولا تُبذل الجهود الكافية لمكافحتها، تشير إحصاءات غير مكتملة إلى أن عدد الأميركيين الذين توفوا بسبب الجرعات الزائدة في عام 2025 سيكون أقل بنحو 30% مقارنة بعام 2023.
كما أن الاختراقات العلمية تبعث على الأمل. فهناك دواء يُدعى «لينكابافير» يبرز كسلاح أكثر فاعلية للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز)، إذ يمكن أخذه عن طريق الحقن مرة واحدة كل ستة أشهر، ويكاد يقضي تماماً على خطر الإصابة بالفيروس. وثمة أيضاً أداة تعديل الجينات «كريسبر»، التي تُحدث ثورة في علاج فقر الدم المنجلي وأمراض أخرى.
ويدرس العلماء كيفية تجدد أطراف مفقودة لبعض أنواع الزواحف المفقودة، ويحققون تقدماً في هذا المجال، وقد يتمكنون في نهاية المطاف من إنماء ذراع جديدة للإنسان.
ومن المجالات الأخرى التي تلهمني بتقدمها مجال الطاقة النظيفة. لا يزال تغير المناخ يُمثل تحدياً هائلاً، لكن اقتصاديات الطاقة شهدت تحولاً جذرياً، وأصبحت تُقدم الآن مساراً للمستقبل - إذا كنا مستعدين لاغتنامه. صديقي القديم في الجامعة بيل ماكيبن، الذي ربما فعل أكثر من أي شخص آخر لدق ناقوس الخطر بشأن تغير المناخ، وكان غالباً يبدو متشائماً، بات اليوم متفائلاً على نحو لافت.

وفي كتابه الجديد الرائع، «ها هي الشمس قادمة»، الذي يتناول ثورة الطاقة الشمسية، يُقرّ «ماكين» بجميع التحديات، لكنه يُضيف: «نحن أيضاً على أعتاب تحوّلٍ نادرٍ وهائلٍ في تاريخ البشرية، يُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ اللحظة التي تعلّمنا فيها قبل بضع مئات من السنين حرق الفحم والغاز والنفط، مما أدى إلى انطلاق الثورة الصناعية، وبالتالي الحداثة».
لقد استغرق الأمر 68 عاماً منذ اختراع الخلية الشمسية عام 1954 حتى تركيب أول تيراواط من الطاقة الشمسية على كوكب الأرض في عام 2022. ولم يستغرق الأمر سوى عامين لتركيب التيراواط الثاني.

ويرجع ذلك إلى أن الطاقة الشمسية باتت رخيصة وبسيطة على نحو متزايد - فألواح الطاقة الشمسية على الشرفات أصبحت شائعة في أجزاء من أوروبا - ولأن البطاريات تشهد قفزات هائلة. فهل ستمتلك الولايات المتحدة الخبرة الكافية لتبني هذه التقنيات والمساعدة في تجنب كارثة مناخية؟ لا أعلم. لكن قبل عقد من الزمن، كان من الصعب تصور كيف يمكننا تجنب تدمير كوكبنا، بينما الآن هناك بصيص أمل.
إذن، هذا ما حدث. لم يكن هذا العام الأفضل في تاريخ البشرية. لقد ساءت الأمور كثيراً، وفُقدت أرواح كثيرة بلا داعٍ، من قطاع غزة إلى السودان وأوكرانيا، وخُذلت قيمنا هنا في أميركا. ومع ذلك، إذا ما قسنا الأمر بمؤشرات وفيات الأطفال، والتعليم، والتغذية، وحقوق المرأة، فربما نعيش نحن البشر أفضل عقد في آخر 300 ألف سنة، بالإضافة إلى أننا نستطيع أن نرى بصيص أمل في المستقبل يجعل الأرض جديرة بالتوريث للأطفال المولودين اليوم.
نحن جميعاً بحاجة إلى شيء من الطمأنينة. لذا، خذ لحظة لنستذكر نعمة العيش معاً في أحد أفضل العصور التي مرّت بها البشرية. والآن، فلنواصل المسيرة، لنحاول أن نكون أفضل في عام 2026.

*كاتب أميركي 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

 



إقرأ المزيد