جريدة الإتحاد - 12/31/2025 11:14:13 PM - GMT (+4 )
شهد العام المنصرم عدداً من الأحداث المهمة التي تُنبئ بأن عام 2026 سيكون حافلاً بالتحديات والمفاجآت. وبالنسبة للأميركيين فإن دراما الإدارة الثانية لدونالد ترامب والاستثمارات المالية الضخمة وغير المسبوقة التي ضخها القطاع الخاص في مجال الذكاء الاصطناعي قد أحدثت تحولاتٍ جذريةً دراماتيكية أثّرت في معظم دول العالم.
وسيسلّط المؤرخون الضوءَ على التطور السريع للذكاء الاصطناعي باعتباره لحظةً مفصلية في التاريخ. فمَن الذي سيفوز في سباق الوصول إلى الذكاء الاصطناعي العام (AGI)، الذي لا يزال من دون إجماع على تعريفه، باستثناء أنه ذكاء اصطناعي يتمتع بقدرات معرفية بشرية تمكّنه من التعلم وتطبيق الذكاء لحل أي مشكلة؟ وقد يُحدد هذا السباق ميزان القوى في العالم، غير أن تحقق هذا الحدث ليس وشيكاً. أما بالنسبة للمواطنين العاديين، فقد هيّمنت عودة ترامب إلى البيت الأبيض على الأخبار. وعلى عكس ولايته الأولى، أُعيد انتخاب ترامب بأغلبية أصوات الناخبين. لم يكن انتصاراً ساحقاً، لكنه كان كافياً لتأكيد فوزه الواضح.
وعلاوة على ذلك، فإنه جاء هذه المرة مستعداً للتحرك بسرعة في العديد من القضايا فور دخوله المكتب البيضاوي عند ظهر يوم 20 يناير 2025. وقد شهدت الأشهر الثلاثة الأولى ضغوطاً كبيرة، وذلك نتيجةً للتصرفات الجذرية التي اتخذها بعض معاونيه، ولا سيما إيلون ماسك وفريقه من المتخصصين التقنيين الشباب الذين عملوا في وزارة كفاءة الحكومة الجديدة. فقد كُلفت هذه الوزارة بتحسين تكنولوجيا المعلومات وخفض اللوائح والنفقات الزائدة في الحكومة الفيدرالية. كانت بدايات عمل وزارة كفاءة الحكومة أشبه بـ«ثور هائج في متجر خزف»، حيث سعت جاهدةً لتقليص أو إلغاء مؤسسات عريقة مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وقد أبطلت المحاكم بعض جهود ماسك، لكن سلوكه أدى إلى خلافات حادة مع بعض أعضاء حكومة ترامب الآخرين، وخاصةً «سكوت بيسنت»، وزير الخزانة. كما أدت تصرفاته كذلك إلى العديد من أعمال التخريب التي قام بها أميركيون غاضبون استهدفوا شركتَه للسيارات الكهربائية «تسلا».
أما المؤسسة الأخرى التي حظيت بالإشادة والنقد على حد سواء فهي وزارة الأمن الداخلي، إحدى أكبر المؤسسات الحكومية. فقد أطلقت «كريستي نويم»، حاكمة ولاية ساوث داكوتا السابقة، العنانَ لعناصر وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) التابعة لها، مُكلِّفةً إياهم باعتقال وترحيل المهاجرين غير الشرعيين. وقد أيّد الرأي العام هذه الإجراءات ضد «المجرمين المعروفين»، لكنه أبدى قلقه إزاء ترحيل المهاجرين الذين قد يكونون غير شرعيين، إلا أنهم يعملون في المصانع والمزارع والمنازل دون أي سجل جنائي. وشهدت البلادُ احتجاجاتٍ واسعةَ النطاق ضد عملاء ICE الذين يستخدمون أساليب قاسية في كثير من الأحيان لاعتقال أفراد يبدون أبرياء، وهم أعضاء منتجون في المجتمع.
وتتمثل أكبر مشكلة سياسية لترامب في عجزه عن خفض تكلفة المعيشة اليومية لغالبية الأميركيين، بمن فيهم العديد من أشد مؤيديه حماساً. فقد خاض حملتَه الانتخابيةَ بنجاح على أساس الاقتصاد، مدعياً أنه سيخفض التكاليف ويكبح التضخم. ولتعزيز الاقتصاد، فرض تعريفاتٍ جمركيةً عاليةً على الدول المصدِّرة للسلع والخدمات إلى الولايات المتحدة، بما في ذلك العديد من الأصدقاء والحلفاء المقربين. وأثار هذا استياءً وردودَ فعل انتقامية من دول مثل كندا، التي هدد ترامب نفسه بجعلها الولايةَ الحادية والخمسين. وقد قاطعت كندا بعض الصادرات الأميركية، وأوقفت السياحة فعلياً، مما تسبب في معاناة كبيرة لبعض المنتجعات الأميركية.
ومن المقرر أن تحسم المحكمة العليا الأميركية، في غضون الأشهر المقبلة، شرعيةَ التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، وسيكون ذلك بمثابة نقطة تحول حاسمة إذا رفضت المحكمةُ الحججَ القانونيةَ، التي استند إليها ترامب لفرض هذه التعريفات. وستكون هذه القضية، إلى جانب «تكلفة المعيشة» في البلاد، من العوامل الرئيسية في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل. وإذا خسر ترامب سيطرتَه على مجلس النواب، فسيعاني تعثراً خلال فترة ولايته المتبقية التي تمتد لعامين، وسيصبح رئيساً في حالة «عجز» (بطة عرجاء) يقود حزباً مضطراً إلى اختيار زعيم جديد للانتخابات الرئاسية لعام 2028.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن
إقرأ المزيد


