جريدة الإتحاد - 6/15/2025 12:42:16 AM - GMT (+4 )

بعد بضعة أشهر من الهزيمة المريرة التي مني بها الديمقراطيون في انتخابات 2024، عقد الحزب اجتماعاً للجنة التنفيذية. وبدلاً من إجراء النظر ملياً في أسباب الأداء الضعيف، تحول الاجتماع إلى مهرجان من التهاني الذاتية: «لقد عقدنا أفضل مؤتمر على الإطلاق». «لقد جمعنا تبرعات أكثر من أي وقت مضى». «كان لدينا أفضل فريق وأفضل تعاون بين البيت الأبيض وحملة هاريس والحزب».
وعندما رفعت إحدى القيادات الحزبية يدها لتُذكّر الجميع بأننا «خسرنا»، وأشارت إلى أن الحزب بحاجة لإجراء «تشريح» لمعرفة ما الذي حدث، قوبلت فكرتها بالغضب. «ماذا تقصدين بتشريح؟ لسنا موتى!»
صحيح أن الحزب لم يمت، لكن أداءه في عام 2024 كان ضعيفاً. فقد خسر البيت الأبيض ومجلس الشيوخ، وتشير الاستطلاعات الآن إلى أن «الديمقراطيين» لديهم أدنى مستويات التأييد الشعبي في تاريخهم الحديث. وعلى الرغم من رفضهم لفكرة «التشريح»، إلا أن تقارير صحفية ظهرت خلال الأشهر الماضية تتضمن نصائح من «مسؤولين حزبيين ديمقراطيين» حول ما يجب أن يفعله الحزب للمضي قدماً، بالإضافة إلى دراسات كلّفت بها بعض جهات الحزب لتحليل هزيمة 2024. الرأي السائد هو أنه على «الديمقراطيين» التحول نحو «الوسط»، والتخلي عن الأفكار السياسية «الراديكالية» أو «اليسارية».
تكمن المشكلة في هذا التقييم في شقين. أولاً، معظم المسؤولين الذين يقدمون هذه النصائح أو الجهات التي تم تكليفها بالدراسات (التي قيل إن تكلفتها بلغت 30 مليون دولار) هم أنفسهم من تسببوا في المأزق الذي يجد «الديمقراطيون» أنفسهم فيه الآن. إنهم لا يفهمون الناخبين الذين خسروهم أو ما يجب فعله لاستعادتهم. ثانياً، إن تعريفاتهم لـ«الوسطية» و«اليسارية» مفبركة لخدمة تحيزاتهم الخاصة. ليس كافياً أن نقول: «علينا التوقف عن اليقظة المفرطة، وأن نركز بدلاً من ذلك على ما يهم الناخبين»، خاصة عندما لا يعرفون حقاً ما الذي يهم الناخبين.
لسنوات، جادل هؤلاء المستشارون بأنه على «الديمقراطيين» الاتجاه نحو «مركز» السياسة الأميركية، والذي يعرّفونه كمزيج من السياسات الاقتصادية/المالية ذات الميول المحافظة، وبعض السياسات الاجتماعية ذات الميول الليبرالية (وليس جميعها). لم تكن هناك رؤية شاملة لهذا المزيج من الأفكار، وغالباً ما وجد المرشحون الذين استمعوا لهؤلاء المستشارين أنفسهم في مأزق وهم يحاولون إرضاء الناخبين دون رسالة متماسكة.
في حين ركّز «الجمهوريون» قبل ترامب على شعار ريجان المتمثل في خفض الضرائب وتقليص دور الحكومة، كان «الديمقراطيون»، عند سؤالهم عن مواقفهم، يكتفون بسرد سلسلة من القضايا (الإجهاض، العدالة الاجتماعية، البيئة، الهجرة، الأسلحة، إلخ)، تاركين للناخبين مهمة التمييز بين الحقيقة والخيال. ولأن شعار الجمهوريين «حكومة أصغر، ضرائب أقل» لم يُفضِ إلا إلى زيادة تفاوت الدخل وتهديد الرفاه الاقتصادي لمعظم الناخبين، فقد تجنبوا الخوض في تفاصيل هذه القضايا، وسعوا بدلاً من ذلك إلى صرف انتباه الناخبين من خلال تضخيم أحد مواقف «الديمقراطيين» تجاه القضايا الاجتماعية:
«الديمقراطيون يريدون حدوداً مفتوحة». «الديمقراطيون متساهلون مع الجريمة». «الديمقراطيون يريدون إلغاء الشرطة». وفي كل مرة ينصب فيها الجمهوريون هذه الفخاخ، يقع فيها «الديمقراطيون»، وينشغلون بهذه القضايا بدلاً من تطوير رسالة شاملة تصل إلى أغلبية الناخبين.
قبل خمسة وعشرين عاماً، شاركت في تأليف كتاب مع شقيقي «جون زغبي» بعنوان: «ما الذي يفكر فيه الأميركيون من أصول عرقية حقاً؟»، استند إلى استطلاعات أجرتها شركة جون لقياس مواقف الناخبين من عدة مجموعات عرقية في الولايات المتحدة: الإيطاليون، العرب، اللاتينيون، الآسيويون، اليهود، والأفارقة. وعلى الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين هذه المجموعات، إلا أن ما ظهر جلياً هو أن مواقفهم كانت متقاربة في عدة قضايا. كانت أغلبية قوية من جميع المجموعات فخورة بجذورها، وترتبط عاطفياً بتراثها، وبالروابط العائلية، والمدن التي ينتمون إليها. وكان هذا صحيحاً بالنسبة للمهاجرين والمولودين في أميركا على حد سواء.
وعلى خلاف «حكمة» المستشارين، أيدت جميع هذه المجموعات سياسات اقتصادية/مالية تقدمية. على سبيل المثال، أغلبية ساحقة تتراوح من 85% إلى 95% أرادت من الحكومة الفيدرالية: المساعدة في تمويل التأمين الصحي، ورفع الحد الأدنى للأجور، وفرض عقوبات على الملوثين، ومعارضة نظام ضريبي تنازلي، وتعزيز الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، ودعم التعليم العام. كما طالبت أغلبية كبيرة بـ: إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، ومراقبة الأسلحة، وحظر أميركي أحادي الجانب على تجارب الأسلحة النووية.
أما في القضايا الاجتماعية، فقد أظهرت مواقف هذه المجموعات قدراً أكبر من التعقيد والتنوع. إذ دعمت أغلبية أصغر - ولكن لا تزال أغلبية - عقوبة الإعدام، وتقييد الإجهاض، والقسائم المدرسية، ومعارضة التفضيلات العرقية في التوظيف.
في الواقع، «الوسط» لا يعني أن تكون أكثر اعتدالاً في القضايا الاقتصادية وأكثر ليبرالية في القضايا الاجتماعية، لأن السياسات الاقتصادية التقدمية تحظى بدعم يقارب 9 من كل 10 ناخبين، وهي الأساس لبناء حزب يتمتع بأغلبية. وفي الوقت ذاته، بدلاً من تجاهل أو إهانة أو رفض التعامل مع الناخبين ذوي الآراء المختلفة في القضايا الاجتماعية، يجب على «الديمقراطيين» أن يناقشوا هذه القضايا داخل الحزب بشكل محترم.
الدرس الذي يجب أن يتعلمه «الديمقراطيون» هو أن «اليسار» لا يُعرَّف أساساً من خلال الموقف من القضايا الاجتماعية. بل، وعلى عكس «الجمهوريين»، يجب على «الديمقراطيين» أن يعرفوا أنفسهم بأنهم الحزب الذي يفهم الدور الإيجابي للحكومة في خلق اقتصاد وبرامج توفر الوظائف والفرص للعائلات من الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة - من السود، والآسيويين، واللاتينيين، والبيض من أصول عرقية مختلفة. وعندما لا يتبنون هذه الاهتمامات فإنهم يتركون هذا المجال للجمهوريين، الذين - رغم سياساتهم الرجعية الفظيعة - يدّعون الآن أنهم يمثلون الطبقة العاملة، ويتهمون الديمقراطيين بأنهم يمثلون النخبة فقط.
هذا لا يعني أن على «الديمقراطيين» التخلي عن التزامهم تجاه مجموعة القضايا الاجتماعية والثقافية التي لطالما اعتبرها قادة الحزب أساسية لمجتمع «ديمقراطي» متنوع.
لكن لا يجب أن تكون هذه القضايا هي ما يُعرّف الحزب. لكي يفوز «الديمقراطيون»، عليهم أن يستعيدوا تاريخهم كحزب فرانكلين روزفلت، وليندون جونسون، وجو بايدن وبيرني ساندرز. أن يكونوا الحزب الذي يؤمن بدور الحكومة في رفع من هم بحاجة للمساعدة، وتوفير الدعم للطبقة العاملة والوسطى من جميع الخلفيات العرقية والإثنية.
رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن
إقرأ المزيد