قم للمعلم.. فهو الأساس
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

قدِم الصحابي الجليل معاذ بن جبل -رضي الله عنه- من اليمن، بعد أن أدى مهمته في تعليم الناس الإسلامَ، ودخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتلقّاه بالترحيب قائلاً: «قوموا إلى سيدكم..».

وكانت هذه لفتة كريمة مِن سيد الخلق أجمعين إلى قيمة المعلم في المجتمع ودوره في تربية أفراد الأمة لرفعتها وإنارة سُبل حياة العلم في أروقته.

بعد ذلك بقرون جاء شوقي ليذكّرنا بأهمية وظيفة المعلم في قطاع التربية والتعليم لدى كل المجتمعات، حيث بث أبياته المشهورة التي مطلعها: قُم للمعلم وفِّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا أقول من وحي تجارب الأمم السابقة واللاحقة، وكذلك من تجربتي الشخصية المتواضعة، منذ بداية مشواري في ممارسة مهنة الرسل وإمامهم الذي يقول، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، «بُعثتُ معلماً» و«بعثت لأتمم مكارمَ الأخلاق». لقد تشرفتُ بممارسة التدريس وأنا في السنة الأولى بجامعة الإمارات، ضمن مشروع الشيخ زايد لتحفيظ القرآن الكريم لقرابة أربع سنوات.

ومِن بعد التخرج واصلتُ التدريسَ ضمن مشروع الشيخ مكتوم لتحفيظ القرآن العظيم لقرابة أحد عشر عاماً، وعملت في ديوان وزارة التربية والتعليم لقرابة سبعة عشر عاماً، ثم قمتُ بالتدريس في أكاديمية شرطة دبي لقرابة أحد عشر عاماً، ومجموع عملي في قطاع التعليم 33 عاماً.

وقد خرجتُ مِن كل ذلك بخلاصة تقول بأن المعلم هو الركن الأساسي في الحياة التعليمية في أي مجتمع، حتى لو لم تتوفر فيه المناهج والمباني وبقية الوسائل التعليمية المعاصرة الأخرى، لأن المعلم لديه من المهارات ما يؤهله لأن يدرس ولو تحت ظل شجرة، وليؤلف منهجاً مستقلاً لكل مرحلة من المراحل الدراسية.

وأقول ذلك من واقع دراستي في بريطانيا، حيث لمدرس الجامعة الصلاحية في تأليف منهج جديد لطلابه، وقد لاحظت يوماً في يد المشرف على دراستي، ومعلمي لبعض المواد، مجموعةَ قصاصات ورقية ملونة تحتوي على صور أشخاص يمارسون حياتهم في الصالات الرياضية. من باب الفضول العلمي، سألته عن ماهية تلك القصاصات، فرد علي قائلاً: إنها مادة دراسية لطلاب المرحلة الجامعية في تخصص علم الجريمة، وسوف تصدر بعد ذلك في كتاب يقرر على الطلبة مضمونه: هل هناك علاقة بين هذه الصالات الرياضية وزيادة نسبة الجرائم في بريطانيا؟!

أقول إنه ما لم تكن المباني والمناهج وجميع الأدوات والوسائل في خدمة المعلم وعوناً له على أداء مهامه بسهولة ويسر، فإن العملية التعليمية والتربوية برمتها لن تصل إلى أهدافها المنشودة وفق الخطط المرسومة سلفاً، بل قد تتخلف عن تحقيق الإنجازات التي تستجيب للأهداف المرجوة. وكذلك فيما يتعلق بأنظمة الموارد البشرية بما في ذلك سلم الرواتب والمحفزات.

وبين أيدينا الآن تجربة سنغافورة، وبشهادة مؤسسها الذي طلب من المعلمين مساعدته في إنهاء الفساد المستشري، مقابل تلبية كل احتياجات المعلمين بما في ذلك الرواتب المرتفعة. وكانت اليابان من قبلها قد سارت على ذات المنوال، وكان المعلم فرس الرهان في تبوئها المكانة العالية في العالم من بعد كارثة نجازاكي وهوريشيما. وحاولت إحدى الدول الأوروبية في ثمانينيات القرن الماضي تغيير مسمى المعلم إلى مشرف، لكنها سرعان ما أعادت للمعلم مكانتَه بعد أن كاد الطلبة يستهينون به في ذلك المشروع الذي لم يصمد وقتاً طويلاً!

*كاتب إماراتي
 



إقرأ المزيد