جريدة الإتحاد - 7/3/2025 11:59:15 PM - GMT (+4 )

رغم الضربات الجوية المذهلة التي نفذتها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد المنشآت النووية الإيرانية، لا يزال من غير الواضح حجم الضرر الذي تم إلحاقه، ومدى بقاء البرنامج النووي الإيراني سليماً أو قابلاً للإصلاح. وفي غياب عمليات تفتيش دقيقة وشاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أو عبر عملاء أجانب مزروعين داخل إيران، فإن الطريقة المثلى لضمان عدم امتلاك إيران السلاحَ النووي تتمثل في التوصل إلى اتفاق شامل جديد من قبل المجتمع الدولي يفرض قيوداً قابلة للتحقق على الأنشطة النووية الإيرانية المستقبلية.
لكن لا أحد يعرف ما إذا كانت طهران ستكون مستعدة لمثل ذلك الاتفاق. وبينما ينتظر العالم كي يرى ما سيحدث، فمن المفيد مراجعة ما حدث لبرامج دول أخرى كانت تسعى لامتلاك السلاح النووي وتم التخلي عنها في نهاية المطاف. فمن اللافت أن عدداً كبيراً من الدول قد بدأ بالفعل برامج للأسلحة النووية. بعض هذه الدول نجح في بناء أسلحة نووية، وبعضها ورثها، وبعضها امتلك التكنولوجيا اللازمة، لكنه لم يختبر أو يصنع أي سلاح نووي.
وبعيداً عن القوى النووية التسع القائمة حالياً (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وإسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية)، فإن ما لا يقل عن 14 دولة - لا تشمل إيران - امتلكت أو طورت أو جمعت كثيراً من التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية. فقد امتلكت كل من أستراليا والسويد وسويسرا التكنولوجيا والمهارات الأساسية لصنع القنبلة، لكنها لم تصل أبداً إلى مرحلة اختبار أي جهاز نووي، وأصبحت هذه الدول الثلاث أعضاء ملتزمين في معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT). أما جنوب أفريقيا، فطورت أسلحة نووية خلال فترة حكم الأقلية البيضاء بهدف ردع جيرانها المعادين، غير أنها تخلت علناً عن برنامجها النووي بعد نهاية الحكم العنصري وانتخاب نيلسون مانديلا في عام 1991، وانضمت إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.
وكان لدى كوريا الجنوبية وتايوان وبرامج سرية، لكنهما تعرضتا لضغوط شديدة من قبل الولايات المتحدة للتخلي عن طموحاتهما النووية، وهو ما حدث في عامي 1975 و1988 على التوالي. وبدأت البرازيل والأرجنتين برامجهما النووية في منتصف السبعينيات، لكنهما أوقفاها في عام 1990 عندما تولت حكوماتٌ أكثر ديمقراطيةً السلطةَ.واحتفظت كل من أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا بترسانات نووية مع تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991. لكنها وافقت جميعها على التخلص من تلك الترسانات. وفي حالة أوكرانيا، تم توقيع مذكرة بودابست للضمانات الأمنية في عام 1994 من قبل كل من كييف وموسكو وواشنطن ولندن، ونصّت على احترام استقلال أوكرانيا وحدودها القائمة. غير أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2022 كانت تراجعاً واضحاً عن الالتزام بتلك الاتفاقية. ويُرجح أن تلك العملية ما كانت لتحدث لو أن أوكرانيا احتفظت بترسانة نووية صغيرة.
كما طورت كل من العراق وسوريا وليبيا بعض القدرات التي قد تمكنها في نهاية المطاف من تصنيع قنبلة، لكن برامجها تم إيقافها إما بالقوة أو بالإكراه السياسي.
وهذا يعيدنا إلى البرنامج النووي الإيراني، حيث يأمل أعداء طهران أن تؤدي المتاعب والتطورات الأخيرة التي واجهتها إلى حدوث تغيير يفضي إلى ظهور حكومة جديدة أقل تمسكاً بالأيديولوجيات المتشددة. وعندها، قد يصبح من الممكن التوصل إلى اتفاق نووي جديد يمنح إيرانَ الحقَّ في التخصيب المحدود تحت إشراف صارم وبشروط واضحة تحول دون الوصول إلى تكنولوجيا القنبلة النووية.
لكن إذا نجا النظام الحالي من هذه الهجمة القاسية، فإن التاريخ يشير إلى أن السعي للثأر سيكون وارداً، حتى لو استغرق سنواتٍ لتحقيقه. وقد يستنتج قادة إيران أن أفضل وسيلة لضمان بقائهم في السلطة هي الاستمرار في برنامج سري لصنع القنبلة. قد يتعاونون ظاهرياً مع المجتمع الدولي في مسائل الأمن الإقليمي، بينما يحتفظون بقدرات تمكنهم من اختبار أو نشر سلاح نووي إذا ما تعرضوا مجدداً لعمل عسكري مباشر. وفي ظل هذه الظروف، فإن الطريقة الوحيدة للتأكد من خلو إيران من السلاح النووي ستكون عبر نشر عدد كبير من «القوات البرية»، وهو احتمال لا ترغب إسرائيل ولا الولايات المتحدة في التفكير فيه.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست» - واشنطن
إقرأ المزيد