جريدة الإتحاد - 7/3/2025 11:59:19 PM - GMT (+4 )

تضافرت قوتان لإنتاج ثاني أكسيد الكربون الزائد الذي يسبب الاحترار العالمي. الأولى هي الأرض، الغنية بالأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة والوقود الأحفوري غير المكتشف. والثانية هي البشر، الذين استخدموا عقولهم لاكتشاف كيفية تحويل تلك الموارد إلى اقتصادات نابضة أدت إلى تغيير عالم صغير مليء بالحياة البائسة والقاسية والقصيرة إلى العالم الحديث الذي نعيش فيه اليوم.
فماذا لو أن هاتين القوتين نفسيهما – روعة الأرض وعبقرية الإنسان – يمكن أن تتحدا من جديد في السنوات القادمة لكبح جماح ارتفاع غازات الكربون في الغلاف الجوي؟ ولإدارة الأزمة التي تسببنا بها دون قصد؟
هذا هو السؤال، وذلك الأمل، يثيرهما كتاب «مايكل جرونوالد» الجديد والمهم: «نحن نلتهم الأرض». سيجد فيه كل من يفضلون حل المشكلات بدلاً من استعراضها، وكل من يدركون أن الشهرة ليست مقياساً للحقيقة، صورة واضحة وجميلة لما هو ممكن – ونظرة صادقة ومحفوفة بالتحديات على صعوبة التغيير.
جرونوالد هو صديقي، وهو أيضا قدوة لي. أُعجب بموهبته المتقنة في الكتابة بأسلوب شائق عن مواضيع هادئة ومملة بطبعها. مكافحة الفيضانات، ودعم المزارع، والإيثانول السليلوزي: كلها مواضيع «مملة»، لكنه جعلها نابضة بالحياة بطريقة أثارت غبطتي وحاولت التعلم منها. والسر في ذلك هو إدراكه العميق أن الحقائق العاجلة تصل أبعد حين تنقل بوضوح وذكاء بدلاً من أن تُفرض بالنفاق والتسلط.
لذا، فهذا كتاب عن كارثة تلوح في الأفق، لكنه مليء بالضحكات، والصدق المنعش، ومتعة التعلم. الأمل الذي يتركه جرونوالد فينا – متواضع، غير متكلف – هو أمل حقيقي، وبالتالي ثمين.
يغوص كتاب «نحن نلتهم الأرض» في ثلث الانبعاثات الكربونية العالمية المرتبطة بالزراعة. يشير جرونوالد إلى أن المكاسب الكبيرة التي تحققت في مجالات الطاقة المتجددة للمنازل والأعمال والنقل، لم تتكرر في قطاع الزراعة. بل إن المفاهيم الخاطئة حول مستقبل الزراعة قد ساهمت في تفاقم الوضع.
بطل الكتاب ومرشده الفكري هو محامٍ تحوّل إلى «شرطي علمي» يُدعى تيم سيرشينجر، والذي اكتشف – من خلال النظر والتفكير فقط – أن الحل الشائع قبل 20 عاما للحد من الكربون، وهو الوقود الحيوي النباتي، كان كارثة في طور التكوين. فكرته المحورية: الأراضي المستخدمة لزراعة الوقود لن تُنتج غذاءً، لذا في عالم يعج بالجوعى، سيؤدي ذلك إلى إزالة الغابات والمراعي في أماكن أخرى – وهذه الأخيرة تمتص كميات من الكربون تفوق ما يوفره الوقود النباتي بكثير.
لا شيء يلتقط ويخزن ثاني أكسيد الكربون مثل الطبيعة، لذا دعونا نحافظ عليها، هذا ما يعلّمه جرونوالد. ومن هذه الفكرة البسيطة ينطلق في استعراض مشوق ومثير للاختراعات والابتكارات وحتى الأفكار المجنونة التي تهدف إلى إطعام عدد أكبر من البشر باستخدام مساحة أقل من الأرض. شخصيات الكتاب – من صناع البرجر النباتي، إلى من يحاولون اختراق أسرار التمثيل الضوئي، إلى مزارعي الأشجار الغريبة – تثير الاهتمام، لكنها تفشل أحياناً، وتفلس أحياناً، وتغير استراتيجياتها. ومع ذلك، فإن غياب الحل السحري يجعل إبداعهم وتصميمهم أكثر إلهاماً. إذا كان مصير البشرية هو أن تُغرق نفسها في حمام من غازات الدفيئة، فلن يكون ذلك بسبب قلة المحاولات من العقول البشرية الكبيرة.
إذا ما حلّت الكارثة، فقد يكون سببها قلة التواضع لدى دعاة حماية البيئة. يتحدى جرونوالد بشجاعة الطائفة الساذجة، لكن المؤثرة لفكرة الزراعة «العضوية»، ومعارضي الأغذية المعدلة وراثياً. فليس هناك شيء أكثر إلحاحاً لمستقبل المناخ من إنتاج مزيد من الغذاء لعالم يتزايد سكانه، على مساحات أقل من الأرض. نحن نعرف كيف نفعل ذلك، ويوضح جرونوالد أننا نحرز تقدماً في هذا المجال باستمرار.
ينبغي للبشر الذين يُحبّون كوكب الأرض أن يُرحّبوا بالتقدم العلمي في الزراعة، ومع ذلك، فإن الموضة السائدة هي الحنين للماضي. وبينما تُطعم «المزارع الصناعية» ملايين البشر بكفاءة وعناية متزايدة، فإن جَنّات صغيرة هدراً في أماكن بعيدة تتجاهل جوع العالم.
ويختتم جرونوالد كتابه على نحوٍ مُناسب، بنبرة عميقة. يكتب: «إن معركة المناخ ليست من النوع الذي سينتهي باستسلام ثاني أكسيد الكربون على متن سفينة حربية. ستكون هناك انتصارات مرضية وهزائم محبطة، لكن لا نصر نهائياً ولا هزيمة نهائية». وهذا وحده يبرر قراءة الكتاب، لأنه يلخص بجاذبية الحقيقة الأساسية للحظة المناخية التي نعيشها.
فثاني أكسيد الكربون الزائد في الغلاف الجوي هو تحدٍ طويل الأمد، نتج عن قصة سعيدة في الأصل، وهي أن عدداً أكبر من الناس يعيشون حياة أفضل وبطونهم ممتلئة وأحلامهم أكبر. لن يُواجَه هذا التحدي بضربة قاضية واحدة، بل يمكن تقديم حلول جزئية في مجالات لا تُحصى، وهذه الحلول ستتراكم وتؤتي ثمارها – إن سمحنا لها بذلك.
ينهي القارئ هذا الكتاب وهو مملوء بالدهشة تجاه العقول البشرية التي تسعى لتسخير قدرة الأرض على شفاء نفسها. وأيضاً، بشعور مُلِحّ بأن الوقت ينفد.
كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»
إقرأ المزيد