على افتراض
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

وأنا، على افتراض أنكِ بحرٌ، أتيتُ. هاتكاً الأسوار بالرفس، وممزقاً الستائر الغليظة لمسرح وجودنا. قلتُ: لعل عافيتي تسطعُ إن لمستْ أصابعي انسدال شعرها في الريح، ومن غير اتّعاظ أو حذر مددتُ رأسي في غموض أسئلة الحياة، فتلاشت أمام عيني كلماتٌ كنتُ أؤمنُ أنها حكمة الدهر التي لا تزول، وتأوّه قرب سمعي صمتُ فلاسفة كانوا يمجدون الحب، وربما أسسوا له مذهباً أتباعه منفيون في الوحشة كلهم، إذ يتقافزون في لعبة الحظ واحداً واحداً كي ينالوا رؤية طرفِها، ولكن لا فائز بينهم، وهم لا محالة منطفئون في النسيان.
وأنا، على افتراض أنكِ الحرية، قفزتُ مجاناً في المتاهة العظيمة التي اسمها الحب. لا عابئ بالنهاية (لا نهاية لمسلك) ولا مكترثٍ بالبدايات كيف تحدث؟ ومتى؟ ولماذا الزمانُ يدور وأنا أراه مستقيماً؟ كانت الغاية أن أهتدي للضياع في عينيك ليس إلا، ولذلك رميتُ دفاتري كلها في فتحة البركان، وركضتُ نحوكِ حافي اليدين متهيئاً لاحتمال أن ألتقط سقوطك من شجرة الخوف. وفي الطريق إليكِ هاجمتني سهامُ عميانٍ كانوا يرجمون الضوء، وتبقّع قميصي بنظرات حسادٍ كانوا يأكلون أصابعهم كلما تقدمتُ خطوة. ومن أجلكِ، فككتُ السلاسل من صدور السفن وأججتُ في الموانئ المهجورة ثورة الرحيل. دع السفن تُغادر، قال لي جبلٌ أسندتُ ظهري عليه. دع البحر يشبع، قالت لي الريحُ الآتية من بعيد، وأظن أني صدقتها.
لا تحمل السكين في يدك حين تنطقُ باسمها، قالت امرأة محبوسة في لوحة الحائط. لذلك، حملتُ القلم سيفاً وطعنتُ به الغيمة والفقاعة، ثم حملت القلم سهماً وأطلقته على المكتئبين الجالسين على عتبة معبد اليأس، ورأيتهم يتفرقون ويُطوى بؤسهم. وأنا، على افتراض أنكِ نصف اكتمالي، صعدتُ إلى قمة جبلٍ صامتٍ وأيقظتُ أجراس القمر، ونجمة بعد نجمة قرر الضوء أن ينعكس على الماء في شكل موجةٍ راقصة، وجاءت من وراء التلال عشائر من العشاق بحثاً عن الطمأنينة والخلاص من الصبر.
وأنا، على افتراض أنكِ الحلم، فرشتُ أوراقي على العشب، وانتظرتُ المطر أن يملي عليّ وصيته الأخيرة. ويا لدهشتي عندما حطّت الطيور المهاجرة على عرشي الورقي هذا، وتركت بيضها وغادرت. الآن أدرك أن الذي يمتهن الحب، عليه أن يحرس كل ولادة جديدة، وأن يظل يحمي الشمعة بكلتا يديه لعلها تورقُ في النهاية فسائل الأمل، وتروى سيرتي من تفتح زهرها.



إقرأ المزيد