جريدة الإتحاد - 7/4/2025 12:30:15 AM - GMT (+4 )

عندما تغلق الحوار مع الآخر، يتكدّس الغبار في النفس، وتصبح الحياة مكب نفايات بحجم الجبال الشم، ويصير الإنسان كأنه كائن خنفسائي، لا يعيش إلا في الأماكن الرثة. فالحوار هو القناة الطيعة الموصلة إلى حقول الروح، مما يجعلها بستاناً يفيض بعطر التآلف والتسامح والحب قبل كل شيء.. اليوم حضارات تتآكل، ودول تتلاشى، ومجتمعات تنسحق تحت رحى الغضب والحقد والاحتقان الروحي.
لقد قطعت المجتمعات الإنسانية شوطاً طويلاً وهي تبني ما يخدم مصالحها، وما يروّض المعضلات، ولكن في لحظة انغلاق، واشتداد نيران الأنانية، تحترق أعواد العشب، وتذبل أوراق الشجر، وتنحني جذوع وسيقان، وتتحول الفيحاء إلى أعجاز خاوية.
الحوار بين الناس هو المصل الأقوى في مقاومة عنفوان الذات، وهو المضاد الحيوي لكل فيروسات العدائية، ولا مجال للإنسانية لحياة هانئة وعيش رغيد ومجتمعات سعيدة إلا بالحوار، لأنه المنطقة الخضراء التي ترعى فيها غزلان الذات إذا ما تشبّعت بقناعة راسخة بأن الحوار هو المصل، وهو النصل، وهو الفصل، وهو الأصل، في صياغة رواية حقيقية تنجز مشروعاً إنسانياً قائماً على عاتق شخوص، يصنعون واقعهم بلغة أشف من السلسبيل، وأنعم من الحرير، وأنضر من الجوهر. لغة مبنية على الإيمان بأننا والآخر واحد، نسكن تحت سقف سماء واحدة، ونعيش على أرض واحدة، والإنسان هو مركزها، وهو محورها، وهو دائرة قطبها، وهو قطرها ووترها، ومتى ما غاب الوعي عن الإنسان، انبرى كائناً متوحشاً عدائياً.
فمهما امتلك الإنسان من علم ومعرفة، وسعة في القوة والجاه، فلن يستطيع أن يقاوم النفس الأمّارة، ما لم يمتلك الوعي، ويدرك أنه بمفرده لن يستطيع العيش بلا آلام، وأنه بمفرده، لا يمكنه التحكم بما يحدث في الطبيعة من تقلبات وأحداث ومجريات. الإنسان بطبعه اجتماعي كما قال أرسطو، وهذا الاجتماع كفيل بأن يجعل الإنسان قوياً، معافى من درن الاختلالات الطبيعية والبشرية.
عندما يسكن غضب، وتتحكم الأنا بالعواصف الداخلية، تسكن موجات البحر الغاضبة، وتصبح الأفلاك تسير بلا تهديد من موجة، ولا غدر من بحر. فكم نحن بحاجة إلى ميزان قوى داخلية، يحدد مستوى التعاطي مع الآخر، ومن دون أنانية، ولا انحياز إلى الذات، كم نحن بحاجة إلى قوة عظمى داخلية، تحمي الذات من الانهيار والتهور، وتجعلها طيّعة في خدمة مصالح المجموع البشري وليس لذات أو كيان بحد ذاته. منذ سالف الأزمان قال الفلاسفة: «إذا كان العقل منغلقاً، فالصحوة مستحيلة»، لأن صلابة العقل، وتزمته، يمنعانه من قبول الحوار مع الآخر، وهذا بدوره، يمنع الإنسان من معرفة الحقيقة.
في نهاية المطاف، مهما قسى الإنسان على نفسه، وعلى الآخر، فإن الموئل الأخير هو إطلاق أجنحة الحوار مع الآخر، وتركها تحلق وترفرف، لنصل إلى أعشاش الأمان والطمأنينة.
إقرأ المزيد