عام الأسرة وجهود متواصلة لتمكين المجتمع
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

يجسد إعلانُ دولة الإمارات العربية المتحدة عن تخصيص عام 2026 ليكون «عام الأسرة» المكانةَ المحورية التي تحتلها الأسرةُ في بناء المجتمع وتعزيز استقراره وتماسكه. فمنذ قيام الاتحاد، شكّلت الأسرة الركيزةَ الأولى لمسيرة التنمية، ونقطة الانطلاق نحو مجتمع مزدهر يحافظ على قيمه ويواكب التطورات العالمية. ويأتي عامُ الأسرة ليجدد هذا الالتزامَ، وليسلّط الضوءَ على الجهود الوطنية المتواصلة لتمكين أفراد المجتمع ودعمهم في مختلف مراحل حياتهم.
والحاصلُ أن تخصيص عام كامل للاحتفاء بالأسرة ليس مجرد شعار، بل هو إطارُ عمل شامل يُترجم رؤيةَ القيادة الرشيدة التي تؤمن بأن الاستثمار في الإنسان يبدأ من محيطه الأقرب المتمثل في الأسرة. فكلما كانت الأسرة قويةً ومتماسكةً، كان المجتمع أكثر قدرةً على مواكبة التحديات وصناعة المستقبل. ولهذا، جاءت المبادرة لتأكيد أن الاهتمام بالأسرة هو مسار استراتيجي مستمر يعكس القيمَ الوطنية الأصيلة المستندة إلى الاحترام، والتآلف، والمسؤولية الاجتماعية.
ومما لا شك فيه أن مبادرات عام الأسرة تمثل محطاتٍ نوعيةً في مسيرة العمل الاجتماعي في دولة الإمارات، وهو ما يعكس التزامَ الدولة بتعزيز الروابط الأسرية وترسيخ القيم الأخلاقية التي يقوم عليها المجتمع. وتستند هذه المبادرات إلى رؤية القيادة الرشيدة حول ضرورة جعل الأسرة بيئة حاضنة للإبداع والتفوق، ومصدراً للاستقرار النفسي والاجتماعي، فالمجتمع القوي لا يقوم على الاقتصاد المتطور وحده، بل يحتاج إلى أسر متماسكة تمتلك الوعيَ والمسؤولية وتسهم في مسيرة البناء بثقة واقتدار.
وتركز مبادرات عام الأسرة على جملة من المحاور، أبرزها دعم التلاحم الأسري، وتوفير بيئة متوازنة تتيح للأفراد فرصاً متكافئةً للنمو والعمل، وتعزيز ثقافة المسؤولية المشتركة بين الرجل والمرأة في رعاية الأبناء وإدارة شؤون الحياة. وتشمل هذه المبادراتُ مشاريعَ نوعيةً تتعلق بالتمكين الاجتماعي، منها مبادرات لتأهيل المقبلين على الزواج، ودورات توعوية للآباء والأمهات حول أساليب التربية الحديثة، وبرامج لدعم كبار المواطنين وحماية الطفل.
ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن المؤسسات المعنية تقوم بدور محوري في تحقيق الرؤى والخطط المتعلقة بتعزيز كيان الأسرة. فقد أطلقت وزارة تنمية المجتمع، بالتعاون مع مجالس الأسرة في مختلف الإمارات، برامج شاملة لرفع جودة الحياة الأسرية، مثل مبادرة «أسرتي سعادتي» و«الأسرة الرقمية»، الهادفة إلى تعزيز التواصل الإيجابي في ظل التحولات التكنولوجية. كما تعمل مؤسسة التنمية الأسرية في أبوظبي على تنفيذ استراتيجيات تعزز القيم، وتتعامل مع التحديات الاجتماعية، عبر دراسات ميدانية، وسياسات تستند إلى بيانات واقعية.وقد أصبحت تجربة الإمارات نموذجاً يحتذى به، في عدد مجالات الدعم الأسري، من ناحية إطلاق المبادرات التوعوية والإرشادية الرامية إلى حماية الأسر من التفكك، ومن ذلك «التوجيه الأسري» الذي يقدم جلسات توجيهية للأزواج المتخاصمين، في محاولة لحل الخلافات التي تنشأ سعياً إلى تجنب حدوث الطلاق.
وتسعى الخطط الوطنية المتعلقة بترسيخ كيان الأسرة وتمكين المجتمع إلى المواءمة بين متطلبات الحداثة والحفاظ على الهوية الثقافية. فالتغير السريع في أنماط الحياة والتكنولوجيا يفرض تحديات على العلاقات الأسرية والتربية، مما يستدعي برامج توعوية وتربوية تواكب هذه التحولات. لذلك، تعمل الإمارات على بناء منظومة دعم متكاملة تضم التعليم، والرعاية الاجتماعية، والصحة النفسية، لتضمن بيئة أسرية متماسكة ومستقرة.
وتحرص دولة الإمارات بشكل بالغ على تعزيز القيم الوطنية المتوارثة لدى الأجيال الجديدة من خلال إدماج التربية الأخلاقية في المناهج التعليمية، وتنظيم فعاليات مجتمعية تُشجع على الترابط العائلي، واحترام كبار المواطنين، وحفظ التراث الوطني. ويمثل هذا الجانب أحد أعمدة الاستدامة الاجتماعية، فهو يضمن استمرار الهوية الوطنية رغم تسارع وتيرة التطورات العالمية.
إن «عام الأسرة» ليس مجرد مناسبة احتفالية، بل محطة لتعزيز رؤية الإمارات في الاستثمار في الإنسان، وترسيخ قيم التماسك الاجتماعي، وبناء مجتمع قادر على مواجهة تحديات المستقبل بثقة. فالأسرة كانت وستظل حجر الأساس لمسيرة التنمية الإماراتية، والعناية بها هي سبيل لتمكين المجتمع بأكمله، وغرس القيم الأصيلة المتوارثة في الأجيال الناشئة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. 

 



إقرأ المزيد