«تريندز» في كندا.. «دبلوماسية الفكر» ضد الخطر «الإخواني»
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

 في عالم تتسارع فيه التحولات السياسية والفكرية، وتتعقّد فيه مسارات التطرف العابر للحدود، تبرز الحاجة إلى أدوات جديدة تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية. وفي هذا السياق، لا تُعدّ جولة وفد مركز تريندز للبحوث والاستشارات في كندا زيارةً عابرة أو لقاءً بروتوكوليّاً، بل امتداداً طبيعياً لمشروع معرفي طويل يخوضه المركز لمكافحة التطرف، وتفكيك تهديدات جماعة «الإخوان»، وكشف مشروعها الأيديولوجي المتخفّي. هذه الجولة كانت، في جوهرها، تعبيراً عمّا يمكن أن نسميه اليوم «دبلوماسية الفكر»، أي استخدام المعرفة والحوار والشراكات البحثية كأدوات لمواجهة أخطر التحديات التي تهدّد المجتمعات الحديثة.
لقد جاءت الجولة الكندية لتقدِّم نموذجاً متطوراً في توسيع نطاق هذا الدور الفكري، إذ جمعت بين الحوار البحثي من جهة، وبناء جسور التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي والتدريب من جهة أخرى. وهي توليفة ضرورية في عالم أصبح فيه التطرف نفسه رقمياً يتكيّف مع التكنولوجيا ويتغذّى عليها. ومن هنا، اكتسبت اللقاءات التي عقدها الوفد مع برلمانيين ووزراء ومسؤولين وخبراء أهميةً خاصة، لأنها سمحت بخلق مساحة مشتركة لفهم القضايا التي تشغل العالم اليوم، وأبرزها مكافحة الإرهاب، وصون التعايش.
لقد جسّدت مشاركة «تريندز» في المنتدى البرلماني بأونتاريو روح هذا التوجه، فالنقاشات حول تنفيذ وثيقة الأخوّة الإنسانية، و«الاتفاقيات الإبراهيمية»، ومقاربات مواجهة التطرف، لم تكن نقاشات نظرية، بل كانت بحثاً في كيفية تحويل المبادئ إلى تشريعات، والأفكار إلى سياسات، والتوصيات إلى فعل على الأرض. فوثيقة الأخوّة الإنسانية، على سبيل المثال، تمثّل إيماناً راسخاً بأن السلام لا يتحقق بالشعارات، بل بالعمل على بناء ثقافة مشتركة، وترسيخ قيم العدالة والتنمية المستدامة.
وفي الجانب المعرفي التطبيقي، جاءت لقاءات وفد «تريندز» مع معهد «ميلا» للذكاء الاصطناعي لتفتح آفاقاً جديدة في دمج التكنولوجيا مع البحث العلمي. ففي عصر تتحوّل فيه ساحات التطرف إلى منصات رقمية، لا يمكن لجهود المواجهة أن تبقى تقليدية. ومن هنا، برزت أهمية تطوير مهارات الباحثين الشباب، وتعزيز قدراتهم على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، لرصد الاتجاهات، وتحليل البيانات، وفهم التهديدات قبل أن تتفاقم.
وكان لافتاً للنظر أن باحثي «تريندز» قدّموا في برلمان أونتاريو، وفي مقرّ «المجلس الإسلامي العالمي» في تورنتو، قراءة دقيقة لتهديد «الإخوان» المسلمين بوصفهم شبكة عابرة للحدود، وأكدوا أن مواجهة أيديولوجيتها تتطلب خطابًا دينيّاً وفكريّاً معتدلاً، وشراكات وثيقة بين المؤسّسات البحثية والدينية.
ولهذا، كان التأكيد ضروريّاً على أن السلام ليس غياباً للصراع فحسب، بل هو حضور للعدل وروح التعايش، وهو ما تجسّده دولة الإمارات من خلال «بيت العائلة الإبراهيمية»، الذي يقدّم نموذجاً عالميّاً للتقارب الإنساني من دون أن يمسَّ خصوصيات العقائد. وجاءت الإشارة إلى «الاتفاقيات الإبراهيمية» بوصفها نموذجاً لتحويل الخوف إلى أمل، والكراهية إلى شراكة. ولكن هذه الشراكة لا يمكن أن تزدهر من دون مواجهة حازمة للأيديولوجيات المعادية للتعايش، وفي مقدّمتها فكر جماعة «الإخوان». ومن هذا المنطلق، يواصل «تريندز» مشروعه البحثي طويل الأمد في «موسوعة الإخوان المسلمين»، التي تكشف البنية الخفيّة للجماعة، وشبكاتها المالية والتنظيمية. كما يُعدّ «مؤشر الإخوان» أحد أهم أدوات المركز، لأنه يقدّم قياساً لنفوذ الجماعة حول العالم، ويمنح صانعي القرار مؤشرات إنذار مبكر تساعدهم على استباق التهديدات.
وهكذا، تبدو جولة «تريندز» في كندا أكثر من مجرد محطة دولية، وإنّما هي خطوة أخرى في طريق طويل لبناء خطاب عالمي جديد، خطاب يواجه التطرف بالحقيقة، ويقاوم الظلام بالمعرفة، ويُعيد للعالم إيمانه بأن المستقبل يمكن أن يكون أكثر سلاماً إذا توافرت الشجاعة الفكرية لصناعته. 

*الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات.



إقرأ المزيد