جريدة الإتحاد - 11/24/2025 12:23:04 AM - GMT (+4 )
حين تتقدم البلدان بوعيها الحضاري تتجه صوب رفاهة الثقافة، والفرح بمنجزها، وتقدير مكتسبها، والثقافة اليوم تعنى بكل الأشياء في مناحي الحياة، فما عاد مصطلحها مقتصراً على الحفظ والفهم والجدال الفلسفي، والعيش في برج عالٍ، إنها فعل التحضر والرقي بالأشياء، ودفعها إلى معانٍ أسمى، الثقافة اليوم موجودة لتحريك الاقتصاد والسياحة والتأثير السياسي، وقود قاطرة الإعلام، واحتضان الفنون، الثقافة تعني العمل والفعل، لا النظرية والتنظير، هكذا يمكن أن نقرأ ما تقوم به عاصمتنا الجميلة في طورها الجديد، بتبني الكثير من المتاحف ذات البعد العالمي، والمؤسسات الفنية والمبادرات الثقافية، اليوم الإمارات موجودة في الفعل الثقافي العربي والعالمي، لا ندعي أننا الوحيدون، ولكننا ضمن دول السباق، ولا ينقصنا شيء للقبض على المبادرة والريادة ضمن منظومة تقوم بها بقية الإمارات نحو التناغم والتكامل، وخلق ذاك التفرد للإمارات ثقافياً.
تجديد متحف العين أقدم المتاحف في الدولة خطوة صحيحة وضرورية للتحديث، ودخوله في الزمن الرقمي بعد أن ظل يقاوم محافظاً على تماسكه وأصالته وحيداً، افتتاح متحف التاريخ الطبيعي بكل تلك البهرجة والدهشة والإمتاع، وفي مقبل الأيام وقبل انقضاء عامنا هذا، نستبشر بافتتاح متحف الشيخ زايد، رحمه الله، وجزاه خير الجزاء، ونعيم الإحسان لكل من عمل وتعب وبذل وصبر، وما متحف العين إلا واحدة من جمائل فكره ونظرته البعيدة.
أتذكر لوحة عباد الشمس، وهي واحدة من مجموعة لوحات متفرقة في بقاع العالم للفنان الهولندي «فان غوخ» حينما اشتراها متحف في اليابان عام 1987، وكيف كان الجدل على قيمتها وتكلفتها التي وصلت 25 مليون جنيه إسترليني، وهو أغلى عمل فني تم بيعه في مزاد في ذلك الوقت، لكن اليابان غامرت باتجاه رفاهة الثقافة، وراهنت على الاستثمار في الفن ومعطيات الثقافة، مستبعدة كل أصوات النشاز والاعتراض، والاستخفاف التي كانت تصرخ مستخدمة صوتها العالي لا الواعي: ندفع ملايين الورق مقابل لوحة من قماش!
اليوم اليابان تملك واحدة من أثمن اللوحات، ولو ضاعفوا لها المبلغ مائة مرة، فلن تتخلى عنها، ولن تفرّط فيها، فكم من الدول لديها 250 مليون جنيه إسترليني وأكثر، لكن ولا دولة لديها مثل تلك اللوحة، هذا غير أنها ستجلب ملايين السياح، وسعرها يزيد يوماً بعد يوم.
تلك ربما قصة جميلة تؤكد معنى الاستثمار الثقافي الحقيقي للبلدان بعد الاستثمار في الإنسان، لتخلق منه مواطناً وطنياً، وإنساناً واعياً.. والرهان عليه دوماً وأبداً بأنه قادر على أن يصنع الفرق لوطنه وديمومته الحضارية، ولو من خلال شراء لوحة لفنان لن يتكرر، ووضعها داخل برواز في المتحف الوطني.
إقرأ المزيد


