جريدة الإتحاد - 12/3/2025 9:14:32 PM - GMT (+4 )
بعد أن ظنّ الكثيرون أن انتهاء الحرب الباردة بانتصار المعسكر الغربي على المعسكر الاشتراكي وتفكّك الاتحاد السوفييتي سيكون بدايةً لعصر من السلام، وبادر البعض بطرح أفكار متسرّعة لا أساس لها من خبرة التاريخ كفكرة «نهاية التاريخ»، والتي سرعان ما أثبتت التطورات سطحيتها ومناقضتها للقانون الإلهي الذي انطوت عليه الآية الكريمة «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض».
لم يمضِ وقت طويل على ظهور تلك الأوهام، عادت أعراض الخلاف والتوتر والصراع في التفاعلات الدولية، سواء نتيجة استمرار التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة في محاولة بسط سيطرته على العالم، أو لأن روسيا بعد عِقْدٍ من التدهور شرعت بقيادة بوتين في إعادة بناء قوتها ومحاولة استعادة نفوذها الدولي. كما استمر القطار الصيني في سيره الناجح والدؤوب نحو القمة الدولية.
وهذا فضلاً عن مشاريع تبلورت لقوى إقليمية كانت لها دون شك بصمتها على التفاعلات في أقاليمها على الأقل.
وهكذا بدأ العالم يشهد تفجرَ صراعات جديدة تُبَدد أوهامَ «نهاية التاريخ». وإذا اكتفينا بالعقد الحالي من هذا القرن، فإن بداياته شهدت تصاعدَ التوترات حول أوكرانيا، حتى وصلنا للعملية العسكرية الروسية تجاهها اعتباراً مِن فبراير 2022، والتي تجاوز أمدُها الثلاث سنوات، وتحولت إلى ما يشبه الحرب العالمية المصغرة بين التحالف الغربي وروسيا.
ورغم انتعاش الآمال في تسويتها مع عودة ترامب للرئاسة، فإن جهوده في هذا الصدد لم تُؤتِ أكلَها بعد. ثم كان انفجار الموقف في غزة والشرق الأوسط اعتباراً من 7 أكتوبر 2023 كما تابعنا منذ ما يزيد على السنتين. فضلاً عن توترات شبه مزمنة في بحر الصين الجنوبي، وصدامات متقطعة بين الهند وباكستان، وبين هذه الأخيرة وأفغانستان.
وأخيراً وليس آخراً بؤرة التوتر الجديدة في الكاريبي بين الولايات المتحدة وفنزويلا. ولا تقل هذه البؤرة خطورة عن غيرها، على الأقل لأن الولايات المتحدة هي التي تُمْسِك بزمام المبادأة فيها تهدئةً وتصعيداً. وقد شهدت الأيام القليلة الماضية خطوةً تصعيديةً أميركيةً واضحةً بتغريدة ترامب الموجهة «إلى جميع خطوط الطيران والطيارين وتجار المخدرات وتجار البشر»، والتي طلب فيها منهم أن يعتبروا «أن أجواء فنزويلا وجوارها ستُغلق كلياً».
ورغم الغموض المحيط بنواياه في المرحلة القادمة، فإن تقارير صحفية أميركية أشارت إلى ما تجري دراسته بشأن توجيه ضربات محددة وفاعلة لمراكز تجارة المخدرات. ومعلوم أن ترامب يتهم فنزويلا بإغراق بلاده بالمخدرات، وقام بحشد عسكري قرب سواحلها تضمن أكبر حاملة طائرات أميركية. ولو حدث ونفّذ ترامب تهديداته، فليس من المتوقع أن تفضي إلى ردود فعل عالمية مؤثرة من الأقطاب الدولية الأكبر، مثل روسيا والصين، فكلتا الدولتين لهما مشاغلهما الأمنية المباشرة في أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي.
غير أن دروس الخبرة الماضية تشير إلى أن تداعيات أي عملية عسكرية تقوم بها قوة عالمية ضد قوة إقليمية تكون خطيرة، وتُعيد تشكيل الإقليم وتوازنات القوى فيه، حتى ولو لم تحدث تدخلات من قوى عالمية، كما يتضح من دروس الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ولذلك يسود الحذر والترقب من التداعيات التي يمكن أن تترتب على فنزويلا ومحيطها الإقليمي على الأقل، لكن المشكلة أن تفادي الأزمات التي تكون القوى العظمى طرفاً فيها يبدو مستحيلاً طالما تمسكت بموقفها، كما حدث تحديداً قبل غزو العراق عام 2003.
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.
إقرأ المزيد


