جريدة الإتحاد - 12/7/2025 11:55:24 PM - GMT (+4 )
تنطلق في إمارة أبوظبي اليوم النسخة الرابعة والأكبر من «أسبوع أبوظبي المالي»، والتي تستمر فعالياتها حتى 11 ديسمبر الجاري، وهذا الحدث الكبير هو لحظة فارقة تتوج تحول الإمارة إلى مركز ثقل عالمي جاذب للتدفقات المالية والابتكار، فهذه الفعالية التي ستجمع قادة يديرون أصولاً تفوق قيمتها 62 تريليون دولار- أي ما يعادل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي- هي بمثابة إعلان رسمي عن بزوغ أبوظبي كعاصمة مالية عالمية جديدة، تعيد رسم خريطة القوة الاقتصادية وتضع معايير جديدة لمستقبل القطاع المالي.
وفي الحقيقة، يشكّل «أسبوع أبوظبي المالي» منصة استراتيجية متكاملة جرى تصميمها بعناية لدفع عجلة هذا التحول المتسارع؛ ومن المهم التأكيد على أن الأرقام المرتبطة بالحدث، إضافة إلى وتيرة النمو في سوق أبوظبي العالمي، ليست مجرد بيانات عابرة، بل تمثل دلائل واضحة على عمق هذا التحول وانعكاساته المتزايدة على منظومة الاستثمار والقطاع المالي في المنطقة.
ففي عام 2024 وحده، شهد السوق نمواً استثنائياً بنسبة 245% في حجم الأصول تحت الإدارة، مقارنة بنسبة 35% في العام الذي سبقه. وقد جذب هذا النمو المتسارع عمالقة عالميين مثل «بلاك روك» و«جي بي مورغان» و«مورغان ستانلي»، الذين لم يأتوا للمشاركة في حدث عابر، بل لتأسيس مقرات وعمليات دائمة. وهذا التدفق الهائل لرأس المال البشري والفكري، وليس فقط المالي، هو ما يميز صعود أبوظبي.
فالمدينة لا تجذب الأموال فحسب، بل تجذب العقول التي تدير هذه الأموال، مما يخلق نظاماً بيئياً متكاملاً ومستداماً للنمو. فخلال العامين الماضيين فقط، أعلنت مؤسسات مالية تدير أصولاً تتجاوز 1.1 تريليون دولار عن انضمامها إلى مجتمع أبوظبي العالمي ، في شهادة ثقة لا يمكن تجاهلها في البيئة التنظيمية والفرص الاستثمارية التي توفرها الإمارة.
ويتمثل جوهر هذا النجاح الذي حققته أبوظبي في رؤيتها الاستراتيجية التي حولت قوتها المالية الهائلة، والمتمثلة في صناديقها السيادية التي تدير أصولاً تتجاوز 1.7 تريليون دولار، إلى محرك فاعل لجذب الاستثمارات العالمية وتوطين الخبرات النوعية. فلم تعد أبوظبي مجرد مستثمر صامت في الأسواق الدولية، بل أصبحت مركزاً حيوياً تُعقد فيه الصفقات الكبرى وتدار فيه الثروات، بما يعزز مكانتها شبكةً مؤثرة في النظام المالي العالمي ويعمّق دورها كمختبر للابتكار الاقتصادي.
وتظهر أجندة «أسبوع أبوظبي المالي»، التي تمتد على مدار أربعة أيام وتغطي مواضيع من قمة الأسواق العالمية ومنتدى الطاقة الجديد، مروراً بالبنية التحتية والائتمان الخاص، وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين والتمويل المستدام، فهماً عميقاً للتحديات والفرص التي تواجه الاقتصاد العالمي. والحاصل أنه من خلال تخصيص يوم كامل للتمويل المستدام والتحول الأخضر، تؤكد أبوظبي التزامها بقيادة الحوار العالمي حول أحد أكثر الملفات إلحاحاً.
ومما لا شك فيه أن التجمع غير المسبوق لأكثر من 750 متحدثاً عالمياً من قادة الفكر وصناع القرار وما يزيد على 300 جلسة متخصصة وأجندة تتضمّن أكثر من 60 فعالية، لا يهدف فقط إلى مناقشة الاتجاهات، بل إلى صنعها، والمؤكد أن تضاعف حجم «أسبوع أبوظبي المالي» في نسخته الرابعة مقارنة بالعام السابق ليس مجرد زيادة في الأعداد، بل هو انعكاس لتضاعف الطموح والتأثير الذي تسعى أبوظبي لتحقيقه على الساحة العالمية.
لا يمكن النظر إلى أسبوع أبوظبي المالي 2025 بمعزل عن سياقه الجيوسياسي والاقتصادي. ففي عالم يتسم بالاستقطاب والبحث عن ملاذات آمنة ومحايدة للنمو، تقدم أبوظبي نفسها كجسر يربط بين الشرق والغرب، وكمركز مستقر وموثوق لإدارة وتنمية رأس المال. إن هذا الحدث ليس مجرد استعراض للقوة المالية، بل هو دعوة مفتوحة للعالم للمشاركة في بناء مستقبل مالي أكثر ترابطاً وابتكاراً واستدامة، انطلاقاً من أبوظبي التي أثبتت أنها ليست فقط أغنى مدينة في العالم من حيث الأصول السيادية، بل ربما تكون أيضاً الأكثر طموحاً ورؤية للمستقبل.
إقرأ المزيد


