الهند.. بناء التحالفات في عالم مضطرب
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

كانت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى جنوب أفريقيا للمشاركة في قمة مجموعة العشرين فرصةً للهند لتعزيز روابطها القائمة وبناء روابط جديدة وسط حالة عدم اليقين المتزايدة عالمياً وتغيّر المعادلات بين الدول.
وعلى هامش قمة العشرين، أعادت الهند إحياء تجمّع قديم يُعرف باسم (إبسا) IBSA، والذي يضم الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وقد تم تأسيس هذا التجمع الثلاثي لدعم التعاون بين الدول الثلاث ودفع التعاون فيما بين بلدان الجنوب، وبناء توافق في الآراء بشأن القضايا العالمية. إلا أن هذا التجمع لم يشهد تقدماً يُذكر في السنوات الأخيرة. وقد أُضفي عليه الطابع الرسمي عام 2003، وعُقدت عدة اجتماعات لدفع التعاون في قضايا مُختلفة، من إصلاحات الأمم المتحدة إلى منع الانتشار النووي، وتخفيف حدّة الفقر، والطاقة، التي كانت تضم في بدايتها الاقتصادات الناشئة الخمسة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وبما أن البرازيل والهند وجنوب أفريقيا كانت بالفعل جزءاً من بريكس، فقد تراجع دور مجموعة «إبسا». إلا أن هناك الآن محاولة لإحياء هذا المنتدى في ظلِّ الحاجة المتزايدة للتحالفات في عالم يسوده عدم اليقين الذي أثارته الرسوم الجمركية المتبادلة التي تفرضها الولايات المتحدة وقرارات الرئيس ترامب الأخيرة التي تُربك النظام العالمي.
اجتمع قادة الدول الثلاث في القمة السادسة لرابطة إبسا قبل 15 يوماً، وذلك بعد انقطاع دام أكثر من عِقد. فقد عُقدت آخر قمة عام 2011 في جنوب أفريقيا. وجاء إحياء منتدى «إبسا» خلال قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا ليشهد تصريح مودي بأن هذا التجمع يمثّل منصّة مهمة تربط ثلاث قارات وثلاث ديمقراطيات كبرى وثلاثة اقتصادات كبيرة. وأشار إلى أن الدول الثلاث يمكن أن تُكمل جهود بعضها البعض في التنمية. وتشمل مجالات التعاون الزراعة الطبيعية، والقدرة على مواجهة الكوارث، والطاقة الخضراء، والطب التقليدي، وأمن الصحة، وغيرها.
كما اقترح رئيس الوزراء الهندي إنشاء «تحالف إبسا للابتكار الرقمي» لتسهيل تبادل البنية التحتية الرقمية العامة مثل نظام المدفوعات الفورية «UPI» وأطر الأمن السيبراني. واقترح أيضاً إنشاء صندوق إبسا للزراعة المرنة مناخياً. وقد أوضح مودي أن صندوقاً سابقاً كان قد أتم نحو 50 مشروعاً في 40 دولة في مجالات مثل التعليم والصحة وتمكين المرأة والطاقة الشمسية وغير ذلك.
وبالإضافة إلى إحياء «إبسا»، أسَّست الهند في الوقت ذاته تحالفاً جديداً مع كندا وأستراليا. فعلى هامش قمة العشرين، أعلن مودي ورئيس الوزراء الأسترالي «أنتوني ألبانيزي» ورئيس الوزراء الكندي «مارك كارني» عن إطار ثلاثي جديد يُسمى «شراكة أستراليا–كندا–الهند للتكنولوجيا والابتكار» (ACITI). يهدف هذا المشروع المشترك إلى تعزيز التعاون في قطاعات تتراوح بين الطاقة النظيفة وتوسيع سلاسل التوريد، بما في ذلك المعادن الحيوية. كما اتفقت الدول الثلاث على البحث عن سبل لتسريع تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي.
وفي بيان مشترك صادر عن الحكومات الثلاث، تمّت الإشارة إلى أن هذه الشراكة ستستفيد من القدرات التكنولوجية والصناعية لكل دولة، وستدعم الأهداف المشتركة من أجل مستقبل آمن ومستدام. وأشار البيان المشترك إلى أن مبادرة التعاون في مجال التكنولوجيا (ACITI) تهدف إلى تعزيز الأهداف المشتركة على طريق تحقيق صافي انبعاثات صفري، ودعم تنويع سلاسل التوريد العالمية، وتعزيز منظومة تكنولوجية آمنة ومستدامة ومرنة. ولتفعيل هذا التعاون، من المقرر أن يجتمع مسؤولو الدول الثلاث في الربع الأول من عام 2026 للمضي قُدماً في تنفيذ المبادرة. ولا شك أن هذه المبادرة الجديدة ستعزّز التعاون بين الشركاء «الديمقراطيين» عبر ثلاث قارات وثلاثة محيطات في مجال التقنيات الناشئة، وتدعم تنويع سلاسل التوريد، والطاقة النظيفة، والاعتماد الشامل للذكاء الاصطناعي.
يأتي إنشاء التحالف الجديد وإحياء التحالف القديم في ظل تغيّرات في النظام العالمي نتيجة تغيير السياسات الأميركية وإعادة تموضعها. فقد واصل الرئيس ترامب استخدام التجارة كسلاح جيوسياسي، وفي هذا الإطار قَلَب العلاقات حتى مع أقرب الحلفاء. كما تشهد العلاقات بين الهند والولايات المتحدة بعض التغيرات، إذ يضغط الرئيس الأميركي على الهند لإبرام اتفاق تجاري يفتح أسواقها، لكن الاتفاق لم يُبرم بعد واستغرق وقتاً أطول من المتوقع. وفي خضم كل هذه التغييرات، تسعى الهند إلى تعزيز شراكاتها مع دول أخرى في ظل توترات تشهدها العلاقات الهندية–الأميركية. وتأتي هذه العلاقات الجديدة كجزء من جهود لحماية موقع الهند في النظام العالمي من عدم الاستقرار، ولتعميق الروابط القائمة عبر التجمعات والتحالفات. وترى نيودلهي أن هذا هو المسار الوحيد لتقليل تداعيات أي اضطراب، سواء في التكنولوجيا أو التجارة أو العلاقات السياسية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي



إقرأ المزيد