المغرب.. هل دخل وهج «مونديال 2022» مرحلة الأفول؟!
‎جريدة الإتحاد -
[unable to retrieve full-text content]

الرباط (د ب أ)


لم يكن التعادل الذي حققه المنتخب المغربي أمام مالي مجرد تعثّر عابر في مسار كأس أمم أفريقيا، بل تحوّل إلى محطة مفصلية أعادت إلى السطح نقاشاً فنياً محتدماً حول أداء وليد الركراكي وخياراته الفنية والبشرية، في وقت بدأت فيه جماهير واسعة تتساءل عما إذا كان وهج مونديال قطر قد دخل فعلاً مرحلة الأفول.
ورغم الاستحواذ والسيطرة النسبية على الكرة، بدا المنتخب عاجزاً عن فرض إيقاعه أو تفكيك التنظيم الدفاعي الصارم لمنتخب مالي، الذي اعتمد على كتلة دفاعية منخفضة وكثافة عددية في وسط الميدان، مع إغلاق العمق والرهان على المرتدات.
هذا التنظيم حوّل التفوق المغربي في الاستحواذ إلى سيطرة عقيمة، كما فشل «أسود الأطلس» في الحفاظ على التقدم بعد التسجيل، في مؤشر إضافي على غياب النجاعة والبدائل التكتيكية.
وما زاد من حدّة الانتقادات أن وليد الركراكي بات، في نظر عدد من المحللين، كتاباً مفتوحاً لبقية المدربين، حيث أصبح أسلوبه متوقّعاً وسهل القراءة.
نفس منظومة اللعب، ونفس آليات الخروج بالكرة، ونفس الرهان على الأطراف والعرضيات، مع محدودية في المفاجأة التكتيكية أو تغيير الإيقاع.
منتخب مالي قدّم نموذجاً واضحاً على ذلك، إذ تعامل ببرودة أعصاب مع الضغط المغربي، ونجح في تعطيل مفاتيح اللعب بإغلاق العمق وترك المساحات الجانبية غير المؤثرة، ثم معاقبة المغرب عبر مرتدات سريعة، مستفيداً من الفراغ الذي أحدثته تغييرات الركراكي.
هذا المُعطى دفع متابعين إلى التأكيد أن المنافسين باتوا يدرسون المغرب بسهولة، ويعرفون مسبقاً كيف سيبادر ومتى سيتراجع، في غياب بصمة تكتيكية متجددة تربك الحسابات.
كما تمثّل أحد أبرز محاور الانتقاد في إصرار المدرب على استدعاء لاعبين دائمي الحضور داخل اللائحة الوطنية، حتى في حالات الإصابة أو افتقاد التنافسية، وهو ما اعتبره متابعون مساساً واضحاً بمبدأ الاستحقاق والجاهزية.
هذا التوجه، وفق آراء فنية متقاطعة، يُضعف روح المنافسة داخل المجموعة، ويجعل المنتخب أسير أسماء بعينها، بدل أن يكون فضاء مفتوحاً أمام كل من يفرض نفسه بالأداء في الدوري المحلي أو في الدوريات الخارجية.
في السياق ذاته، أثار استمرار تجاهل محمد ربيع حريمات، لاعب الجيش الملكي، الكثير من التساؤلات، خاصة أن اللاعب كان من أبرز مهندسي تتويج المنتخب المغربي بلقب كأس أفريقيا للاعبين المحليين خلال الصيف الماضي، ثم قاد المجموعة ذاتها للتتويج بكأس العرب قبل أيام قليلة في قطر، بل إنه تُوّج بلقب أفضل لاعب في البطولتين معاً.
مصادر متطابقة ربطت هذا الغياب بخلافات شخصية سابقة بين اللاعب والمدرب، وهو ما أعاد طرح سؤال كبير حول مدى موضوعية الركراكي في اختياراته، وحول ما إذا كانت الاعتبارات الشخصية باتت تتقدم على المردودية والجاهزية.
تكتيكياً، افتقد المنتخب للتنوع في الثلث الأخير من الملعب، حيث طغى البطء في البناء وكثُرت العرضيات غير المجدية، مع ضعف التحركات بين الخطوط وغياب الحلول في العمق.
وزادت الانتقادات حدة بعد إخراج إبراهيم دياز، رغم الدينامية التي كان يضخّها في الربط بين الوسط والهجوم، وتعويضه بدخول عدد من المهاجمين في توقيت متقارب، دون تغيير يذكر في الفاعلية الهجومية.
هذه التغييرات أدت عملياً إلى إفراغ وسط الميدان وأفقد المجموعة التوازن المطلوب، مما فتح مساحات كبيرة أمام لاعبي مالي للاعتماد على الهجمات المرتدة السريعة، وهي المرتدات التي كادت تمنحهم هدف الفوز في أكثر من مناسبة خلال الدقائق الأخيرة.
الآن، لم يعُد النقاش مقتصراً على تعادل أمام مالي، بل تجاوز ذلك إلى تساؤل أعمق: هل بدأ رصيد مونديال 2022 قطر في التآكل فعلاً؟ صحيح أن وليد الركراكي لا يزال يتمتع برصيد من الثقة، غير أن هذا الرصيد يبدو في تآكل تدريجي مع كل مباراة يخرج فيها المنتخب دون إقناع، خاصة في ظل طموحات جماهيرية ارتفعت سقوفها بشكل غير مسبوق.
والمنتخب الذي اعتاد إبهار المتابعين بصلابته الذهنية ووضوح هويته التكتيكية، بات يقدّم صورة باهتة تفتقد الجرأة والتجديد، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة بالنسبة لوليد الركراكي، ليس فقط على مستوى النتائج، بل أيضاً على مستوى استعادة الثقة في مشروع تقني بات محاطاً بالشك أكثر من أي وقت مضى.
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة، ليس فقط على مستوى النتائج، بل في ما إذا كان الطاقم الفني قادراً على مراجعة خياراته الفنية والبشرية، واستعادة دينامية جماعية غابت في مباراة مالي، قبل أن يتحول الشك إلى قناعة يصعب التراجع عنها.



إقرأ المزيد